كلمة التغيير

كلمة التغيير: بعد 29 عاما على استشهاد الاستاذ محمود محمد طه: لا ل” حد الردة”!

فتم في مثل هذا اليوم  تنفيذ حكم الإعدام الجائر، الذي صدر عن محاكمة هزلية كانت بحق تجسيدا للعبث بالعدالة وتبديد هيبة ووقار القضاء ناهيك عن استقلاليته ومهنيته، فقد اعتقل الاستاذ بتهمة اثارة الكراهية ضد الدولة بسبب معارضته لقوانين سبتمبر التي أصدرها الدكتاتور الراحل جعفر نميري بعد ان نصب نفسه إماما للمسلمين وراعيا لتطبيق الشريعة الإسلامية، وبدلا من ان تتم المحاكمة على أساس التهمة الأصلية تبدل الاتهام  الى الردة! وقد كان الاستاذ محقا في عدم الاعتراف بالمحكمة وعدم التعاون معها ووصف قضاتها بالوصف الذي يستحقونه( ضعف التأهيل الفني والأخلاقي والخضوع للسلطة التنفيذية).

إن استدعاء هذه الذكرى الأليمة لا بد ان يتم في سياق التفكير الجدي في مستقبل حرية الضمير وحرية الفكر والرأي في المجتمعات المسلمة، لأنها قضية مركزية في نهضة المجتمعات، لا سيما ان الأفكار المتخلفة التي أوصلت الشهيد محمود محمد طه إلى حبل المشنقة ما زالت مستشرية وبشكل مخيف سواء في المجتمع السوداني أو غيره من المجتمعات العربية والإسلامية. فإذا كنا نتطلع لبناء مجتمع ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان ومنها حرية ضميره وفكره، فإننا حتما نحتاج لمشاريع فكرية وثقافية تتصدى بحزم واقتدار للتفسيرات الجامدة والمتخلفة للدين، التي ما تزال الى يومنا هذا تصدر فتاوى التكفير وتدعو لتطبيق حد الردة على من تعتبرهم كفارا حسب فهمها القاصر للإسلام الذي تفترض انه الفهم المعياري الصحيح والوحيد للإسلام. ان التصدي لمثل هذه الأفكار مهم لتجريدها من المشروعية الدينية وتعرية استغلالها للدين في تصفية الخصومات السياسية، فالإصرار على “حد الردة” ظاهره الدين وباطنه”السياسة”! وعلى مر التاريخ الإسلامي تم استغلال موضوع الردة في قتل المعارضين للسلطة السياسية وتبرير قتلهم للجمهور بمبررات دينية لكسب التعاطف “السياسي”، لذلك ليس غريبا ان نجد المادة 26 من القانون الجنائي السوداني في عهد الإنقاذ(التي احترفت استغلال الدين في السياسة) تنص على الآتي(   (1) يعد مرتكباً جريمة الردة كل مسلم يروج للخروج من ملة الاسلام او يجاهر بالخروج عنها بقول صريح او بفعل قاطع الدلالة. (2) يستتاب من يرتكب جريمة الردة ويمهل مدة تقررها المحكمة فاذا اصر على ردته ولم يكن حديث عهد بالاسلام ، يعاقب بالإعدام .(3) تسقط عقوبة الردة متى عدل المرتد قبل التنفيذ)

ان تطبيق مثل هذه المادة يحتاج الى “محاكم تفتيش” تفتش في ضمائر المسلمين وتحدد ما إذا كانت أقوالهم أو أفعالهم خروجا عن الإسلام أو لا! ومثل هذه الأحكام مفصلة خصيصا لمواجهة الخصوم او المنافسين السياسيين، لذلك لا بد من تصدي حاسم من قبل نشطاء حقوق الإنسان والأدباء والمفكرين والفنانين والمثقفين لقضية (حرية الضمير) بحشد الرأي العام ضدها على أسس فكرية، وهو ما يتطلب تكثيف النشاط التنويري بمختلف الوسائل، لأن مجرد التغيير السياسي لا يكفي لحماية (حرية الضمير والفكر)، فقد صدر حكم بالردة على الجمهوريين من المحكمة الشرعية عام 1968م وقد كان النظام السياسي ديمقراطيا! والى يومنا هذا عندما تثار قضية الشهيد محمود محمد طه ينصرف النقاش في كثير من الأوساط الى جدل فقهي تقليدي حول إسلامية أو عدم إسلامية أفكاره! في حين ان محور النقاش يجب ان يكون هل هناك مشروعية لإعدام إنسان بسبب أفكاره ومعتقداته أم لا؟  ان بذور العدوان على حرية الضمير والفكر كامنة في ثقافة المجتمع، ولا بد من التصدي لذلك في طريق تأسيسنا لديمقراطية حقيقية،هناك نشطاء حقوقيون نظموا حملات لمناهضة مواد بعينها في القانون الجنائي مثل المادة(149) التي تخلط بين جريمتي الاغتصاب والزنا، والمادة(152) عن الزي الفاضح، وفي هذا اليوم ندعو الى تنظيم حملة واسعة ضد المادة (126) من القانون الجنائي، لحشد الرأي العام السوداني ضد محاكمة اي إنسان بحجة “الردة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى