إتفاق إطاري جديد..
هناك فيتو دولي ضد الحرب فى المنطقتين، وهناك شبه قناعة، بأن أزمة الجنوب الجديد لايمكن حلها بالحسم العسكري.
ان المجتمع الاقليمي ممثلاً فى الايقاد، و حتى المؤتمر الوطني والحركة الشعبية أيضاً، على يقين بأن البندقية لن تحقق السلام و لكن بحكم العادة، فانه ومع كل جولة تفاوض، يسعى كلا الطرفين الى امتلاك المزيد من أدوات الضغط على الآخر،، و لهذا السبب وغيره تبدو مفاوضات أديس بشأن المنطقتين، تبدو ليست ذات فائدة و فاشلة،و لا يبدو فى الافق ما يشير الى أن هناك ارادة سياسية حقيقية تستهدف التسوية الشاملة. و مهما يكن ، فان نتيجة اللقاءات أياً كانت، تكشف الكثير من خبايا حوار مكتوم يدور بين الطرفين منذ فترة طويلة، فلدى الحكومة بالطبع ، تفاهماتها مع قطاع الشمال وهي تتمنع عن الكشف عنها خشية المزايدات الداخلية.
وكذلك للحكومة تفاهماتها فى الداخل مع قوى المعارضة، خاصة مع حزبي الأُمة والإتحادي ” مع القيادات طبعاً “..! والسلام فى السودان لم يعد شأناً داخلياً محضاً لأن القوى الدولية والاقليمية اصبحت شريكاً فى كل التسويات بعد أن سرى التدويل بصورة واضحة في جسد الأزمة السودانية ، وما التهديد الذي يطلقه الاتحاد الافريقي برفع الملف الى مجلس الأمن إلا ملمح لذلك. وقد يلجأ الاتحاد الافريقي الى هذا الخيار فى خاتمة المطاف اذا انتهت المحادثات بالفشل. في الجولة المنتهية، كان متوقعاً أن يُحيل أمبيكي الملف الى ” الجهات العليا”، لكن يبدو أن شيئاً من التعقُل ضرب الملتئمين فى أديس أبابا، فرشح عن اللقاء الأخير ما يؤكد انه أثمر عن تفاهمات اطارية جديدة بعد أن كانت الحركة الشعبية تتمسك باتفاق “نافع / عقار” الذي ألغاه البشير من جانب واحد.
و يشكل تدويل قضية المنطقتين ــ جبال النوبة والنيل الازرق ــ عنصر ضغط على الحكومة ربما دفعها الى التعجيل بطي ملف محاكمة عقار وعرمان ، واستصدار قرار آخر ينسخ القرار ” القضائي” القاضي باعدامهما. و فى الحقيقة أن هذا كان قرارا سياسياً متعجلاً ، لأنه معروف بداهة، أن هكذا قرار سيتعرض للاختبار فى أديس ابابا ، وسينتقل حتماً من ميدان القضاء الجالس والواقف الى باحة السياسة، وليس فى حكم المؤكد أن يصبح اداة ضغط لدى الدكتور غندور.. إنه قرار يعرقل ويشوش على لقاء الطرفين ، و لا يصلح ليكون اداة ضغط ذات فعالية، اللهم إلا اذا كانت حكومة السودان واثقة فى قدرتها على إستقدام عقار وعرمان عن طريق الانتربول..! وإذا اقدمت الحكومة خطوة مثل هذه، فانها تتورط فى فعل له الكثير من الآثار الجانبية “..! حيث لن تُقدِم أثيوبيا على اعتقال عقار وعرمان ، إذا ما طالبت حكومة الخرطوم ذلك، لأن أثيوبيا تطرح نفسها وسيطاً سرمدياً فى كل أزمات السودان.
ان سريان التدويل في جسد الأزمة السودانية سيقود في نهاياته الحتمية بخروج أوراق اللعبة رويداً رويداً من يد الطرفين، فالقوى الدولية التى صنعت نيفاشا، لن تصبر كثيراً مطاولات الحوار والتفاوض، بين وفدي الحكومة وقطاع الشمال.. وغداً سيُفرض الحل النهائي على الطرفين فيوقعان عليه كما حدث من قبل فى مشاكوس.. وهناك اشارات كثيرة تؤكد أن جولة المفاوضات بين الحكومة والقطاع، فى منتصف شهر مايو الحالي ستكون حاسمة وربما تكون الأخيرة، وإلا فان هذا الخريف، سيحمل مع زخات مطره، كارثة انسانية على طول الشريط الحدودي بين دولتي السودان.