“رسالة للأسرة والأصدقاء”
والرسالة مليئة بالغضب والمرارة لما آل اليه حال الأمة الإسلامية..وبالنسبة للفتاة هنالك طريقة واحدة لنصر الأمة بإعلان الجهاد ضد الكفّار..وطالما ان هنالك دولة تنصب نفسها راعية لهذا التوجه فستكون بالطبع المكان المناسب للبداية..حين تقرأ مثل هذا الكلام ..تشعر بالأسى فعلا على حالنا كأمّة غاب فيها التنوير..فليلة حالكة الفكر تلك التي غادرت فيها تلك الصغيرة..تحمل حياتها على كفّها ظنّا منها انها تحسن صنعا بالأمّة الإسلامية. فمن هو المسئول عن رحيل هذه الصغيرة ورفاقها؟ وماذا فعلنا لنضمن ان هذه المأساة لن تتكرر مرّة أخرى في نوبة حراستنا..؟
تحتاج للكثير من الدوافع لتحزم حقائبك وترتحل..وأهم دافع بالنسبة للشباب البحث عن المعنى..هذا الذكاء المتقد والروح المتوثبة لمعانقة المستحيل..تبحث عن هدف سامي ومتعالي يجعل لحياتها معنى ولأيامها بريق..وليس أفضل من الدين كقضية يتوسلها الشباب ويشهرونها في وجه أزماتهم الوجودية ورغباتهم المهلكة..خصوصا مع ايقاع الشباب اللاهب..لا أحد يريد ان يبذر وينتظر…ولا احد يريد ان يسلك الطريق الطويلة نحو الخلود..وهذه المكونات النفسية بالذات هي الأنسب للإستثمار فيها وشحنها في أقرب طائرة مع كل الهتافات اللازمة…لم يجد هؤلاء الشباب في محيطهم ما يغذي خيالهم وينشط عطاءهم ويمنحهم المعنى لوجودهم..
واذا اضفنا لهذا التجارب الحياتية السالبة التي تجعل البعض يختبر القهر والتمييز العرقي والديني..وكل ما يهدد هويته آن بزوغها..فإن تلك الخبرات السالبة ستظل محبوسة مع طاقتها السالبة ..ووفقا لمدى نضج الشخصية وتماسكها تتفاوت طرائق التعبير عن الغضب المكبوت…بالتوجيه الى الخارج..نحو الفئات الأضعف في محيط تواجدهم..وبالنسبة لهؤلاء يشكّل الدين غطاءا مناسبا لتبرير العدوانية والعنف..لأن وعي الذات بعنفها ولا انسانيتها قد يشكل تهديدا لها لذلك لا بد من البحث عن مبررات..
الأشخاص من هذا النوع في العادة متعصبون لآراءهم ويظهر تعصبهم في سلوكهم اليومي وممارساتهم ..لا اريكم الا ما أرى..ولا يقبلون الزحزحة عن مواقفهم.. ربما لأنها تشكل لديهم خطة متسقة للتعبير عن الذات بما لا يشكل لها تهديدا..
بعض الأشخاص يوجهون العنف الى الداخل ويتخذون مواقف تتماهى مع القاهر ويغرقون في احتقار الذات…
سيختبر الصغار الذين غرّر بهم تجربة عنيفة للغاية..وانا ادعو لهم بسلامة العودة..ستكون هذه التجربة للعائدين منهم ضرورية وان كانت باهظة التكلفة..سيتعلمون فيها بالطريقة القاسية وعلى خط النار.. الكثير من ما يضع المسلمات الفكرية في مواجهة مع الواقع المرير..وربما يبدأون بعدها في التساؤل: في أي كون سنعيش اذا قرّر المسيحيون واليهود والمسلمون شن حرب مقدّسة على الكفّار..من وجهة نظر عقائدهم..وكيف كانت ستشعر تلك الصغيرة ورفاقها ان استيقظوا في الصباح ليجدوا غارة دينية على منازلهم تطلب القرب من الله والفردوس الأعلى عبر ذبحهم وعائلاتهم والرقص المهووس على جثثهم…
ولو كان مراد الله من هذا الكون ان يقتتل الناس فيه لما استنكرت الملائكة قول الله تعالى({وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}..ولو كان مراد الله عز وجل سفك الدماء لما انتهى ولد آدم بالحسرة والندم
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)..
إن مراد الله لهذا الكون هو التعمير بالقسط..وهذا دورنا كمسلمين..إن تاريخ البشرية مليء بالعسف والظلم والدماء..وان لم نستطع ان نطوع تلك العدوانية الرابضة فينا ..فإن العالم موعود بالكثير من المآسي لا يزال..والحضارة الإنسانية مهددة تماما بتلك المراكز المسئولة عن العدوان في أدمغة البشر…