علي عثمان شخصية مريضة ( سيكوباتية)
عادل العفيف مختار
كونه إبن إمرأة من قريش كانت تأكل القديد، لم يمنعه أن يفاخر بها ويقول لمن أراد تبجيله- وهو حقيق بذلك التبجيل- هون عليك فأنا لست بملك. لم لا يقتدي علي عثمان بنبي الرحمة خاصة والرجل كل حين وآخر يذكرنا بالهجرة الى الله. دعك من أمر الدين، فالقوم عرفوا بأخذ ما يناسبهم وترك ما لا يناسبهم منه. ألم يسمع بالإعرابي الذي جاء إلى معن بن زائدة معييرا إياه بقوله ” أتذكر إذ لحافك جلد شاة” . فأجابه معن أذكره ولا أنساه. هذا غير كثير من الأمثلة التي يمكن أن تكون درسا للذي يتبرأ من مهنة والده وهي عندي مهنة شريفة طالما إختارها عن وعي مفضلا عليها النصب والسطو والسرقة والاحتيال.,أزيده مثالا آخر ذاك الذي أصر في يوم تخرجه من أو في الجامعة” وذلك إرضاء لاهل اللغة”. أن يصطحب معه والده في يوم التخرج، وعندما توشح الوالد الصابر بزيه القومي، اصر الإبن على أن يرتدي الوالد زي العمل الرسمي ويحمل معه أداة العمل وهي مكنسة إذ أن والده يعمل عامل نظافة يجوب شوارع تلك البلدة الصغيرة. هؤلاء أناس لهم نفوس سليمة غير مشروخة، خالية من الأمراض والعقد المزمنة التي يعاني منها من تحكموا في مفاصل ذلك البلد المأزوم.
نحن الآن بصدد رجل يعشق الظلام، ويعمل من وراء حجب، رجل يعشق العتمة ويكره ضوء الشمس، وعدو لكل نور وهي صفات يشارك فيها علي عثمان طيور الظلام الخفافيش. رجل من فرط جبنه لا يجرؤ على المواجهة، وهذه الأخرى صفة لصيقة بهذه الشخصيات المريضة، وهي شخصية تعرف بأن لها قدرة فائقة على التعايش مع شخصيتين متناقضتين في آن واحد. شخصية الشخص الحاقد الذي يحيك المؤامرات في الخفاء، والشخصية النقيضة لذلك، يقيني أن هذا الدور يعجز أساطين أهل الدراما. هذه الشخصية المتلونة تلعب أدورا لا تجيدها سوى فصيلة من الزواحف تسمي الحرباء. لقد وصفه الكاتب فتحي الضو فاوجز وأجاد حين قال أنه نوعية من البشر يمكنه أن يغرس في خاصرتك خنجرا وهو يبتسم. كما وصفه الشهيد محمود محمد طه فأجاد هو الآخر بقوله” الشيطان مجسدا في لحم ودم” هذه الأوصاف لم تأت من فراغ، بل أن الأيام قد أثبتت صحتها وبعد نظر قائليها.
في بدايات حكم الإنقاذ شهدت البلاد غلوا في الأحكام، انطلق عقال ذلك الغلومن مكامن نفوس حاقدة متشفية كأن بينها وبين بقية الشعب ثأرات قد آن وقت أخذها. شهدت البلاد وقتها مؤامرة اغتيال الشهيد مجدي محجوب، والسطو على أموال عائلته، بينما القوم منهمكون في إيجاد مخرج يقي الشهيد شر المقصلة، إذا بالرجل الخفي الغامض يمارس أسلوبه المعهود وهوايته من وراء الحجب ويرسل وريقة صغيرة لرئيس القضاء تحمل الموت الزؤام بان “أنجز” أي نفذ الحكم الصادر من قضاة مدينتهم المنكوبة. لم نجد سببا واحدا لكل هذا الكُره والمقت سوى أن مجدي ينتمي لعائلة ثرية، ينظر إليها علي عثمان الذي أنهكه الفقر وأذلته المثقبة بأنها أحد أسباب فقره، يقيني أن الرجل في تلك اللحظة الحاقدة التي سطر فيها كلمة “أنجز” قد استرجع كل لحظات الجوع والمسغبة والعري التي عاشها، إلا فالرجل لا تجمعه بعائلة المغدور أدنى صلة. فهم لم يكتف بسلب أمواله بل يسعي الآن لسلب حياته التي وهبها الله له.
هذه النفس غير المطمئنة أظهرت سوادها وحقدها علانية وهو يأمر عساكره بأن ” صوب لتقتل” ، فللرجل دور بارز في قتل شهداء رمضان، فهو الذي كان يحثهم على سرعة تنفيذ أحكام الإعدام فورا حتى يكونوا عبرة لغيرهم. ثم اكتملت الصورة الدامية بشهادة عرابه الذي بين دوره في محاولة إغتيال الرئيس المصري الفاشلة. بل كان هناك إصراراَ في الإمعان في القتل والولوغ في الدماء باقتراحه تصفية من نجا بعد المحاولة الفاشلة. وهنا تبرز صفة انعدام الوفاء مع من تحالف معهم، وهي صفة تكاد أن تكون معدومة في كل حيوانات الأرض وتتوفر عند الكلاب وعند الذي يفترض أن يكون بشرا سويا. رجل يؤمن بان الغاية تبرر الوسيلة رجل جُبل على الغدر، وأقصر الطرق لتحقيق أهدافه هي الإغتيال والتخلص ممن يعتبرهم تهديد محتمل له ولمستقبله، في ذلك تمت تصفية الدكتور الجعلي، والدكتور عوض دكام طبيب الاسنان المشهور والمغني خوجلي عثمان، لا لسبب سوي أن الأقدار وضعتهم في ذلك المكان يومها.
هذه شخصية غريبة الأطوار، لم أجد من يماثلها في روايات الأدب بشقيه العربي منها وغير العربي. شخصية لا تدري أهي حزينة أم مكتئبة، متفائلة أم متشائمة، شخصية مبهمة غامضة، مثل هذه الشخصيات ترهق نقاد الأدب وتجعلهم يلجأون إلى علم النفس، علهم يسبرون أغوارها، شخصية تحتاج إلي طبيب ومعالج نفسي، ليحلل كوامن الخوف والحقد والعقد المركبة بداخلها. أفادني زميلي وصديقي أستاذ علم النفس والذي أرهقته بهذه الشخصية، أن مثل هذا يعتبر الفقر عيباَ وعاراَ سببه الأخرون، لذلك عندما يتمكنون من السلطة، أو تتغير أحوالهم المادية تظل تلك الأيام الكالحة ذكرى سوداء يودون التخلص منها ومن الذي يذكرهم بها.
والد علي عثمان رجل بسيط طيب لا حظ له من التعليم الدنيوي الذي كان يمكن أن يعينه في إيجاد وظيفة، لذا عمل خفيراَ في حديقة الحيوانات في الخرطوم، وكان مسؤلاَ عن تقديم الغذاء للحيوانات، فيعلف ذوات العلف ويقدم اللحوم لآكلات اللحوم. وهو بهذا إستطاع أن يجعل إبنه يلتحق بجامعة الخرطوم، ويدرس القانون وهي دراسة لم تضف إليه شيئا، ولم تهذب الحيوان البدائي الذي يكمن بين جنبيه. وهو جهد يستحق عليه الشكر لا النكران. لكن الإبن كان يخجل من مهنة والده، وذلك لانه مريض نفسيا حسب إفادات علماء النفس، بل أضافوا أن والده هو من يجب أن يخجل منه، لذا بمجرد أن أصبح ذو سلطة، سرعان ما أصدر أوامره بأن تزال حديقة الحيوان من الوجود. وذلك لكي يمحو أي أثر أو ذكري من ذاكرة أهل السودان. لك أن تتخيل عزيزي القاري أن رجلَا بكل هذه العلل النفسية المزمنة بيده مصير شعب من أكرم شعوب الأرض.
عن هذه الشخصية يقول الدكتور محمد فوزي أستاذ الأمراض العصبية والنفسية ” شخصية لا تفهم الا نفسها، بعضهم يصل إلي السجون، وبعضهم يصل إلى المناصب القيادية”.
عادل العفيف مختار