كلمة التغيير

إزالة السكن العشوائي أم إزالة “السياسات العشوائية”

(من سلسلة حصاد التغيير)

ظاهرة السكن العشوائي المتنامية في السودان ترتبط عضويا بسببين، الأول النزوح المترتب على الحروب الأهلية المتطاولة التي اقتلعت ملايين امواطنين السودانيين من أراضيهم فارين بأرواحهم من ويلات القتال، والسبب الثاني هو التدهور المستمر للقطاعات المنتجة في الاقتصاد السوداني ممثلة في القطاع الزراعي والحيواني والصناعات المرتبطة به، ولا سيما القطاع المطري التقليدي الذي تستوطنه أكثرية سكان السودان وهذا القطاع هو مسرح الاحتجاجات المسلحة ضد السلطة المركزية في الخرطوم

هذا التدهور بلغ أقصى درجاته في عهد الإنقاذ حيث استهدفت سياساتها الاقتصادية وبشكل منهجي تدمير القاعدة الانتاجية في البلاد، مما أدى إلى خلق أوضاع طاردة في الريف السوداني فاندفعت أعداد غفيرة من المواطنين صوب المدن وعلى رأسها العاصمة الخرطوم التي تستأثر بنصيب الأسد من الخدمات، فأصبحت العاصمة تضم ثلث سكان البلاد، وهي اي العاصمة غير مؤهلة من حيث بنيتها التحتية لاستيعاب كل هذه الملايين المتزايدة من السكان، وبالطبع ينطبق ذلك وبشكل أكبر على المدن الأخرى التي تستقبل أيضا النازحين والباحثين عن الرزق الذي بات متعذرا في مناطق الانتاج، فما هو الحل لهذه المعضلة التي يمكن تلخيصها في عبارة(ترييف المدن)؟ بكل تأكيد لا تجدي حملات الإزالة التي تعتمد على القوة والقهر لمواطنين من حقهم حسب دستور البلاد وحسب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ان تكون لهم مساكن لائقة بالكرامة الإنسانية، لا ان يسكنوا عشوائيا في مساكن اشبه ما تكون بالمقابر ورغم ذلك يتم تشريدهم منها دون توفير بدائل،

مشكلة السكن العشوائي ما هي إلا انعكاس لأزمة “السياسات الاقتصادية العشوائية” و”الإدارة العشوائية لشؤون المواطنين” والتعامل مع قطاعات كبيرة من المواطنين ك”كائنات عشوائية” في الدولة لا كمواطنين أصحاب حق في العيش الكريم، وبالتالي لا حل لهذه المشكلة إلا في إطار حلول جذرية لمشاكل النزوح وذلك بوقف الحروب الاهلية ودفع استحقاقات السلام الشامل والعادل، وحل مشكلة  الفقر بإعادة تأهيل القاعدة الانتاجية في البلاد وتوفير الموارد الكافية لدعم القطاع المطري التقليدي الذي تعتمد عليه معيشة أكثرية السكان، وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية في الارياف حتى تكون جاذبة لا طاردة لسكانها، وهذا بدوره يتطلب القضاء على الفساد الذي يلتهم بشراهة كل الموارد خصما على التنمية والخدمات، اما التباهي بحملات الإزالة فلن يحل المشكلة، بل من المؤكد ان تكون له تأثيرات سلبية على السلام الاجتماعي، وسوف يفاقم حالة الاستقطاب العرقي ويغذي أسباب العنف والجريمة في المجتمع، لا سيما ان إدارة ملف السكن العشوائي شأنها شأن كل ملفات العمل الحكومي تتسم بالتسييس حيث تتردد الشكاوى من ان ملف السكن العشوائي يستخدم في الترغيب والترهيب السياسي. 

(نشرت فى مايو 2013)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى