صفقات إصطياد الإمام وما تيسّر من مهام
خالد فضل
الحل السلمي الشامل المتفاوض عليه لقضايا السودان يتطلّب مقومات أساسية بدون تحققها لن يحدث حل في تقديري . أول هذه المقومات هو الإعتراف الكامل بوجود قضايا جوهرية ووجودية تتطلّب حلولا ناجزة من جانب السلطة التي أدمنت الإستبداد والقهر وتشكّلت عقليتها على فكرة التهرّب من أي قضية ودغمستها بما يتلائم مع هدفها الوحيد وهو الإستمرار في السلطة والتمتع بامتيازات حيازة السلطة والنفوذ والثروة وأيّا كانت الأثمان المدفوعة نظير تحقيق هذه الغاية الوضيعة , يُقتل حوالي ثلاثمائة ألف شخص في مطحنة دارفور ويتشرّد أكثر من مليوني شخص في الإقليم المنكوب , ويكون هدف السلطة هو كيفية مقاومة مثول المطلوبين للعدالة الدولية أمام محكمة لاهاي , وترفع شعار 40 مليون فداء البشير !! يجوع الناس ويموتون بالفقر والمرض وسؤ التغذية وانعدام الخدمات الضرورية , وهي وقائع معيشية وجودية تحدد بقاء الشخص على قيد الحياة في حدودها الدنيا , يكون هدف المستبدين وخططهم في كيفية لجم وقمع أي نأمة ضجر أو تعبير عن غضب ورفض لهذا الواقع ؛ فينطلق الرصاص موجها إلى الجباه والصدور حتى لا ينجو مصاب من الموت الزؤام وليتم توجيه الرسالة القاسية للمواطنين بأنّ من هم في السلطة لا يهمهم شئ غير بقاءهم فيها مهما تكبدتم من مشاق أيها الشعب التعيس !!
الإعتراف الصريح بأنّ الأوضاع التي انهارت تماما قد حدثت نتيجة لتراكم الأخطاء والممارسات غير المسؤولة مما ترتب عليه سيادة الفساد والعجز كثقافة شاملة لم ينج منها شبر من أرض أو منشط من مناشط الحياة , هنا يمكن النظر في امكانية عودة السودانيين من السياسيين والخبراء والفنيين والعكوف على معالجة ما هو معترف به من أخطاء , فهل توفّر هذا العامل المهم من عوامل نجاح الحل السلمي الديمقراطي الشفاف عبر وسيلة التفاوض ؟ ماذا يحمل وفد السلطة في حقيبته من مقترحات للحل ؟ وما هي حدود انفتاح عقله ومشاعره للوصول إلى حلول ؟ ما هي سقوفاته للتفاوض وهل يمكن مثلا أن يقتنع بما يطرحه الآخرون من حلول وتجريبها بمشاركة عامة ورقابة ومتابعة ومحاسبة للأطراف. لأنّ الإنتقال من الحالة الراهنة إلى أفق جديد يتطلّب تغييرا جذريا في معظم إن لم يك كل ما هو سائد منذ 30سنة ماضية . فالتفاوض بعقل وقلب مفتوحين ليس مضمضة شفاه وتصريح تتداوله وسائط الإعلام إنّما هو مواقف حقيقية ونتائج مرجوة وتحقيق الإتفاق على الأرض فهل يتصور أحد أن تكون سقوف التفاوض هي الوصول إلى حلول حقيقية وجادة ؟خاصة أنّ القوى المعارضة قد قدّمت من التنازلات ما لا يمكن تقديم أكثر منه لتظل تحتفظ بوجودها . فعلى مدى 30سنة قبلت قوى المعارضة بكل مبادرات السلام الإقليمية والدولية وابرمت اتفاقات مع النظام لكن بالنتيجة ظلت أوضاع البلاد وأحوال الشعب تتدنى من سيئ إلى أسوأ , بل حتى الولايات المتحدة الأمريكية قدّمت تنازلا عن العقوبات المفروضة لنحو 20سنة ورفعت هذ العقوبات منذ عام تقريبا ومع هذا لم تزدد الأوضاع إلا ضغثا على إبالا , وكذا الحال مع السعودية ودول الخليج ودول الجوار الإفريقي التي ساءت علاقاتها مع السلطة حد القطيعة في سنوات ماضية ولكنها الآن تقيم علاقات وثيقة على المستوى الأمني والإستخباراتي , وتقدم دول الخليج الريال والوقود وتحوز على الأراضي الزراعية والفرص الإستثمارية المغرية , كل هذا يروح في جب الفساد وتزدرده القطط السمان ؛لأن أحوال معيشة غالبية السودانيين تسؤ من قاع إلى ما تحت قاع الضنك والمعاناة , وتمتد طوابير الإنتظار المضنية والمهينة , للوقود وغاز المنازل والخبز والقروش المودعة في البنوك والصرافات , وتفتقر الولايات لأبسط المقومات وتتأخر مرتبات المدرسين في ولاية الجزيرة لشهرين وثلاثة شهور لتصرف بالقطارة . وتفشل سلطات ولاية الخرطوم على تبدل الولاة والمعتمدين في حل معضلة المواصلات بعد أن صارت محطات المواصلات تتجول من ميدان لميدان ومع كل تبديل تذهب مليارات الجنيهات للقطط السمان وتهرب الحافلات إلى محطات قصيرة جديدة بتعريفة ارتجالية أعلى , ويصرّح والي الخرطوم السابق عبدالرحيم محمد حسين بأنّ أزمة المواصلات لن تحل حتى لو صار رأس كل مسؤولي ولايته مثل (صلعة رأسه هو).
هذا سبب أساسي في تحطيم أي أمل في نتائج وثمار لتفاوض في أديس أبابا أو الدوحة أو غيرها من عواصم العالم , إذ ليس هناك إحساس ولو على سبيل المداهنة من جانب الطغاة بأنّ ثمة ما يتطلب التغيير , يكفي أن يصف (الكرنكي) المتظاهرين في شوارع الخرطوم بـ(المخربين) تبت يداهم كما حدث في هبة سبتمبر 2013م وصدرت به جريدة الصحافة في عنوانها الرئيس صبيحة إغتيال مئات الشباب والشابات في شوارع الخرطوم . يكفي أن تكون التوجيهات لوفد التفاوض الإنقاذي أن خذّل ما استطعت من أفراد وأعضاء وفود التفاوض المعارضة , وأن تتحول غرف الفنادق إلى وكالات سمسرة وسوق نخاسة لشراء الذمم عبر عملية (المال السياسي) ف20مليون دولار يمكن أن تشتري من في قلبه خفة وفي عقله لوثة أو أولئك الموسومين ب(الرخسة) من قبائل السودان !!هذا هو العقل المفتوح والقلب المنشرح لحل قضايا الوطن , بينما القضايا الجوهرية من حريات مكبوتة وثروات منهوبة وسلطة مطلقة وتعديل في خيال مآتة الدستور وتفشي العنصرية والجهوية وانهيار القطاعات الإنتاجية والخدمية وتلاشي العملة الوطنية وتعاظم الديون الخاجية وإنهيار الخدمة العامة وانفراط عقد السيستم ووووووو كل هذه القضايا لا تشكل هاجسا يتطلب المعالجة مهما كان الثمن , ما يستحق التكلفة العالية هو فقط بقاء من هم في السلطة في السلطة أو لترق كل الدماء في سبيل ذلك , ولتجر كل المفاوضات تحت سقف لا يقترب من التغيير , وحبذا لو كانت النتائج اصطياد الإمام الصادق المهدي وهو قادم يوم 19ديسمبر 2018م للخرطوم , وسوقه مكبلا بسلاسل اسمها نداء السودان واتفاق أديس أبابا أو قل صفقة , لتضاف إلى الإرشيف مثلها مثل جيبوتي وكنانة والحوار الوطني . أمّا الناس في الشوارع وهم يتراصون ليس في مظاهرة بل في انتظار أن يجود عليهم الصراف الآلي ب500جنيه مما يودعون في البنوك وهي في الغالب رواتب تودعها الموسسات في حسابات العاملين فيها ليصرفوها في قعر كل شهر افرنجي هذه قضايا هامشية تهون أمام الهم الأكبر وهو دوام الإستبداد والقهر والقمع وما يجلبه من امتيازات معنوية ومادية للطغاة لكن هل هناك من أخذ شيك ضمان من المستقبل ؟ هل هناك من كُشفت له سُتر الغيب فعرف متى وأين وكيف يأتي الطوفان الذي لا راد له , طوفان أو انفجار سوداني عظيم لا يبقي ولا يذر . وهو أمر وارد الحدوث في أي لحظة لو كانوا يعلمون .ومهما تأخر الميعاد .