أعمدة ومقالات

دموع في وداع المحارب وليد النقر؛

,,تودعني وأنا مشتاك ليك..كان بدري والوقت طويل والأُنس جميل..كان بدري عليك،،

كان يوما حزيناً خيم على سماء الخرطوم؛ في تمام الساعة ال5:00 من مساء الأربعاء الموافق 23 أكتوبر؛ هبطت طائرة الخطوط الإماراتية تحمل في جوفها جثمان الراحل المقيم وليد النقر.

وأنا برفقة خلف الله العفيف، دلفنا حال وصولنا إلى نقطة تجمع الحاضرين في باحة المطار وجدنا الجُموع أعينهم واجفة، كأن الطير حط على رؤوسنا ماذا عسانا أن نقول أو نفعل في هكذا لحظات! قابلنا المخرج عبدالقادر”قدورة” بثباته المعهود معزياً فينا؛ ثم قدِم إلينا الناشط بالعمل المدني ناجى موسى كان شديد التأثر والدمع ينساب على معاقيه دون اكتراث قالدنا فأبكانا، قدِم نحوي أكرم يبكي بصوت أجش “قال محدثني وليد مشى يا أبوهريرة وليد مشى”  قلت له في محاولة مني للتامسك كٌلنا لها يا أكرم؛ فصمت صمت القبور! همهمات..هنا .. وهناك .. جاء إلينا الخزيني الهادي يُرافقه الأستاذ عماد آدم و رأفت حسن عباس الناشط في قضايا السدود، وقالوا على ما أذكر: وليد ذهب إلي رب رؤوف به! ساد السكون المكان يقطعه من حين إلى آخر همسات تعدد مآثره الراحل وصموده الأسطوري على المرض العضال والداء اللعين,,سرطان القولون،،.

الصمتُ سيد اللحظات  ولبرهة من الزمن؛ جال بخاطرنا مآثر الراحل ومواقفه الخالدة التي ظل متمسكاً بها حتى الرمق الأخير من حياته، فقد كان النقر؛ ملجأ وخادم أحلامنا وطموحاتنا؛ يلهمنا، يشد من أزرنا ويدفعنا دفعاً إلى مواصلة المسير وعدم الرمي بالمنديل! كيف لا وهو فينا؛ حلماً.. فكرة.. ومشروع؛ وإذا بالوزير فيصل محمد صالح يكسر صمتنا يعزينا برفقة الصُحفي محمد الفاتح همة ,,بنيالا،، وحسن بركية، ثم جاء رشيد سعيد وكيل وزارة الثقافة وربت على كتفي مقدما تعازيه الحارة فوقفنا نتحادث قليلاً؛ ثم ساد الصمت مجدداً .. إلا من جموع الواصلين  بين الفينة والأُخرى؛ تقدم نحونا الزملاء المحامين الفاتح حسين وأحمد صبير وعز الدين المربوع مواسين الجميع على الفقد الجلل؛ إنضموا إلينا ثُلة من الناشطين السياسيين عبدالعزيز,,تمن زولين،، و خالد بحر  ومحمد فاروق،.. تلقينا التعازي وقالدونا بصبر نبيل.

دلفت جانبا مقدم التعازى إلى الأستاذة أروى الربيع وشقيقته والدة يسرى فؤاد، رغم ثباتهن؛ إلا أن الدمع السخين يفيض من أعينهم حزنا على شبابه النضر وإشفاقاً على ما كابده من آلام .

عند الساعة ال6:00 مساء عبر معبر الخروج خرجت سيارة شرطية تتبعها سيارة إسعاف في جوفها تابوت بنى اللون وضع فيه جثمان وليد وكتب فيه اسمه.. يرافقه شقيقه، إذ كان يحمل مصحفاً يتلو منه آيات من القرآن الكريم على روح الفقيد وعيونه تفيض دموع عزيزة وغزيرة؛ توقفت سيارة الإسعاف برهة من الوقت لإلقاء النظرة الأخيرة؛ بكاه الجميع ليس قهراً ولا إعتراضاً على قضاء  الله  إجلالاً لما بذله لأجل الناس ولأجل هذا الوطن النفيس، متذكرين معاناته..وصبره على تخلصات العلاج الإشعاعي والكيميائي فضلاً عن العمليات الجراحية ..ومواقفه المشرفة وخصاله الكريمة والحسرة على شبابه.. وبفضل تواضعه ونضاله الحقوقي كسب مكانة خاصة في قلوب الناس! لحظات تتداخل فيها الحزن والعرفان والإشفاق  والتقبل بالمصير المحتوم!

في الجانب الآخر عند مدخل صالة الوصول وفي تراص جليل، يقفن أمهات، أباء، ناشطات وأصدقاء .. كانوا في إستقبال الزوجة المكلومة سنده ورفيقة دربه الدكتورة ,,يسرى فؤاد عكاشة، وهي تتزيا ثوباً أبيض كما الحليب.. بثبات وتماسك ووقار ورباطة جأش لو وزع على الحاضرين لكفاهم!  تكتم ألم  تظهر جلداً،  تفيض دموع وحنين .. وما أن أطلت إنفجرن  صديقاتها وعائلتها بالبكاء الحميم يربدن عليها في محاولة مفضوحة لتخفيف آلام الحدث الجلل !! تتقدمهن ريم شوكت، سناء (سنسن) أروى الربيع الصُحفية مها التِلب، دكتورة إحسان فقيري ،شهناز النقر، مياس وأمنه حيدر وتهاني عباس، تغريد عوضة ،عائشة السماني وعشرات النسوة والرجال الأنقياء من ما أعرف! ومما لا أعرف! وآخرين من فرط الزحام لم نلقيهم!

وفجأة جاء صوت غليظ منادياً في الناس:”الجثمان سيتوجه إلي منزل العائلة بأم درمان والدفن الساعة 7 ونص بعد صلاة العشاء؛ وهذا كان نداء الرحيل.

توجه المستقبلين إلى منزل شقيقته باشلاق المهندسين بحي بانت العريق بمدينة بأم درمان؛ ثم وري جثمانه الطاهر بمقابر البكري بأم درمان.

يوما لا ينسى؛ فقدنا فيه أعظم الفرسان ، رحل كما الغمام تارك فينا جُرح عميق لن يندمل قريباً. حسبنا بأنك ظللت شامخا ؛ فخسارتك موجعة و فراقك مؤلم جداً، ستظل مقيم فينا وبيينا فكراً ومشروع وقضية ! وداعاً وليد النقر وسلاماً إلى روحك الطاهرة الزكية  ذهبت “نقياً أبيضاً، بلا كف ملوثة ولا قلب أثيمْ”، ليرقد جسدك الطاهر بسلام!

يقلم:أبوهريرة عبد الرحمن أحمد
كاتب وناشط حقوقي
24 أكتوبر 2019

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى