فيضان النيل يحيل في ساعتين قرية كاملة شمالي السودان إلى دمار
"التغيير" تزور المنطقة وترصد مشاهد مؤلمة وتتحدث للمتضررين/ أمل محمد الحسن
“ساعتان فقط وكان كل شيء قد انتهى”، هذا ما قال حسن احمد حسين، أحد سكان قرية القليعة الوسطى في الريف الجنوبي لمدينة شندي وهو يشير إلى سور منزله المتهدم وانتصبت بداخله شجرتي ليمون ونخلة تمثلان كل ما تبقى من منزله.
كان يقاوم شباب المنطقة ثورة النيل، لكن قواهم انهارت بعد تزايد مد النهر لينفجر الترس الرئيس في تمام الساعة الثانية والنصف صباحا يوم الحادي عشر من سبتمبر والذي يسهر شباب القرية لحراسته طوال الايام الماضي لكن اندفاع المياه كان الاقوي امام عزيمة الشبان.
في مدخل قرية القليعة، انتصبت خيمة كتب عليها اسم القرية، التي ابتلع فيضان النيل اعداد كبيرة من منازلها. وقالت سيدة في القرية لـ(التغيير)، إن الفيضان ابتلع منزلها ومنازل أخوانها ومنزل الأسرة الكبير، فرحلت مع أسرتها الصغيرة وانضمت إلى منزل خالها، وكذلك فعل كل الأخوان، بحث كل صاحب منزل متهدم عن أقرب الأقرباء لينزل عليه ضيفا بلا تاريخ لنهاية الزيارة، ربما حتى يهدأ النيل الثائر ويعود أدراجه إلى مكانه الذي ابتعد عنه مسافة أكثر من (5) كيلومترات.
وأضافت السيدة المنكوبة: “زمان أهلنا كانوا بحكوا لينا انه في سنة “1946” البحر جاء، لكن نحن أول مرة نشوفو، انا مولودة هنا في القرية دي سنة 1973 عمرنا ما جانا فيضان زي ده”.
عاد حسن للتحدث بمرارة هذه المرة، وقال إنه يشعر بحزن شديد لعدم وصول أي مسؤول لقريتهم ليتفقدهم، مشيرا بيده للمنازل التي صارت أثرا بعد عين، ولم يتبق منها سوى هيكل باب، أو بعض سور. وقال :” ولا حتى مدير تنفيذي في محلية ما وصلنا، كأصغر مسؤول، ليتفقد أحوالنا بعد أن اصابنا ما اصابنا من الدمار”.
وأضاف حسن :”المواطن ما عنده قيمة في وطنه، نحن لينا 10 أيام في هذه الحال ولم يأت مسؤول واحد فقط ليواسينا”.
بينما يقول الأخ الأكبر لحسن، “حسين”، “جميع الناس هنا أهل وأقارب، لم يجد أحدنا نفسه في الشارع، لسنا جائعون ولا نحتاج لإغاثة، كنا نتمنى فقط أن نشعر بقيمتنا ونشعر بقيمة التغيير الذي حدث بعد ثورة ديسمبر المجيدة”.
وأضاف حسين: “الحمد لله لم نفقد روحا واحدة، لكن كل مشاريع البستنة التي نزرع فيها الخضار والبصل والفول انتهت تماما، هذا الموسم الزراعي لن نجده منه شيئا” واستدرك يحمد الله على المصاب ويقول إن كل شيء يمكن تعويضه إلا الأرواح.
طفلة متضررة من الفيضانات تقول إنها فقدت كل ملابسها وكتبها المدرسية
“زكية” طفلة أكملت الصف الخامس، كانت تلتصق بوالدها تتبعه أينما ذهب، بعد أن فقدت منزلها لم تعد تملك حائطا آمنا سوى ظل والدها فباتت تلتحم به، قالت لـ(التغيير)، إنها فقدت كل ملابسها وكتبها المدرسية وهي تقطن الآن مع اسرتها في منزل أحد الاقرباء، صمتت زكية للحظة، فهمس والدها: “ستبكي الآن” وما هي إلا ثانية حتى انهمرت دموعها وهربت إلى أحد البيوت القريبة.
وأفاد حسن، بأن عدد المنازل التي انهارت كليا (35) منزلا، وقال إن القرى متلاصقة على طول الشريط الحدودي، وأن النيل لم يتوقف عندهم فقط، لكنه بدأ في تفجير “التروس” ودفوعات القرى بالتوالي، على امتداد مسافة “13” كيلو تقريبا، حتى وصل في التاسع عشر من سبتمبر إلى قرية بانت الأحامدة، وفي طريقه قام بتحطيم المنازل والمزروعات في قرى : القليعة الوسطى، والقليعة الجامع، والقوز، واليعاقيب مويس، وحوش بانقا، وحلة ود الحاج، حتى وصلت إلى بانت الأحامدة قبل يومين.
وتشير احصاءات الأهالي التقديرية إلى سقوط (278) منزلا بالكامل، وتهديد بقية المنازل نسبة لعدم انخفاض النيل البعد، ودمار كافة المشاريع الزراعية والبستانية لجميع هذه القرى.
الأهالي في قرية القليعة الوسطى ما زالوا يحاولون انقاذ ما يمكن إنقاذه من أثاثات وملابس والبحث عن كل ما يمكن ايجاده من ممتلكات، وذلك عبر صنع ما يشبه المراكب عبر ربط براميل حديدية فارغة في طرفي “سرير” حديدي عادي وربطه بحبل طويل يمسكه أحد الشباب يغوص في النيل للمنازل المهدمة يبحث عما يمكن إنقاذه ويضعه في هذا السرير ثم يعود ليضعه في الأماكن الجافة، ويتناوب شباب القرية في هذه المهمة وتأتي النساء لفرزها وتحديد ملكيتها.
“متضرر يشير إلى دولاب خشبي ويقول انه الوحيد الذي تبقى له من منزله”
أشار حسن إلى دولاب خشبي متهالك متكئ على سور أحد المنازل، وقال: “هذا كل ما تبقى لي من أثاث”، وأضاف: لدي ثلاجة جرفها النيل حتى وصلت قرية بعيدة منا، لكن أهلها تواصلوا معنا وحفظوها لي.
وكانت السلطات السودانية، قد أعلنت منذ أغسطس الماضي أن مناسيب نهر النيل، بلغت درجات غير مسبوقة، لم تحدث منذ أكثر من 100 عام، وأكدت السلطات أن فيضانات هذا العام تتجاوز فيضانات الأعوام 1946 و1988 التي أوقعت خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات ودمارا كبيرا في البلاد.
وكان مجلس الأمن والدفاع قد أعلن في الخامس من سبتمبر حالة الطوارئ في كل أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أشهر، معتبرا البلاد منطقة كوارث طبيعية. وتم تشكيل لجنة عليا لدرء ومعالجة آثار السيول والفيضانات لخريف 2020 برئاسة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية وعضوية كل الوزارات والولايات والجهات ذات الاختصاص.