تقارير وتحقيقات

تعديل الوثيقة الدستورية.. هل تم تفتيت التحالف الحاكم بالسودان؟

تقرير: التغيير

بات رسميًا يتكون شركاء الفترة الانتقالية من الحرية والتغيير والمجلس العسكري والحركات المسلحة إلى جانب إعادة تشكيل السلطة الانتقالية “السيادة والجهاز التنفيذي ” بمنح 25% في مجلس الوزراء ومجلس السيادة لممثلي الحركات  فيما يحذر مراقبون من أن التعديلات التي أجريت على الوثيقة الدستورية  ستؤسس لولادة حاضنة سياسية جديدة لاعلاقة لها بالثورة الشعبية وأهدافها.

كشف عضو اللجنة القانونية لقوى الحرية والتغيير عبد المطلب الختيم عن إجازة التعديلات الخاصة ببنود اتفاق السلام رسميًا في اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء ونشرها في الجريدة الرسمية بوزارة العدل.

ولم يعلن الاجتماع المشترك بين السيادة والجهاز التنفيذي أواخر أكتوبر الماضي عن إجراء تعديلات على الوثيقة الدستورية لكنه أشار إلى إجازة اتفاقية السلام الموقعة بين السلطة الانتقالية والحركات  المسلحة

وأوضح الختيم في تصريح لـ(التغيير الالكترونية) أن أبرز التعديلات التي أجريت على الوثيقة الدستورية تمديد الفترة الانتقالية لعام حيث تبدأ  اعتبارًا من الثالث من أكتوبر(تاريخ توقيع الاتفاقية)،  وإدخال بند جديد في الوثيقة ينص على أن الجهة التي رشحت عضو امجلس السيادة يحق لها استبداله بجانب السماح  لأعضاء مجلس السيادة الذي ارتفع عددهم إلى (14)عضوًا الترشح في الانتخابات وهو بند يقتصر على أعضاء مجلس السيادة من الحركات المسلحة شريطة الاستقالة قبل ستة أشهر من الانتخابات، في حين لا يحق لعضو مجلس سيادة او مجلس وزراء في الفترة الانتقالية   من القوى السياسية الأخرى الترشح للانتخابات.

بنود السلام أعلى من الوثيقة

وأوضح عبد المطلب الختيم أنه شارك في التعديلات التي أجريت على الوثيقة الدستورية والتي شملت ثلاثة جهات هي المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير والحركات  المسلحة.

وتابع : “شاركت ممثلًا للمجلس المركزي لقوى التغيير وفي رأي إجازة التعديلات عبر مجلسي السيادة والوزراء غير صحيح دستوريًا وقانونيًا لكن الأطراف الثلاثة آثرت تفادي أزمة سياسية بخلق أزمة قانونية”.

وأضاف : “الوثيقة الدستورية نصت على أن القوانين والتشريعات التي تتعارض مع الوثيقة نفسها في هذه الحالة تسمو الوثيقة عليها أي أنها أعلى من القوانين والتشريعات التي تتعارض معها”.

وقال الختيم إن التعديلات التي أجريت على الوثيقة الدستورية بخصوص بنود السلام استندت على المادة (79)من اتفاق السلام الذي قال في حال حدوث تعارض بين اتفاق السلام والوثيقة يزال التعارض بما يحقق تنفيذ مصلحة السلام.

وأردف : “يجب أن تُجاز التعديلات عبر المجلس التشريعي الانتقالي لأنه يملك سلطة التأسيس وسلطة السيادة والجهاز التنفيذي التشريعي المؤقت حاليا سلطة تشريع قوانين فقط”.

ورأى عبد المطلب الختيم أن الوثيقة الدستورية نصت على إدراج بنود السلام ما يعني أن الوثيقة دستوريًا يُعلى على أي بنود أخرى لكن الأطراف الثلاثة فضلت أن تتفادى معركة قانونية باللجوء إلى معالجة أقرب ما تكون سياسية.

وحول تمديد الفترة الانتقالية وأثر ذلك على تهديد التحول الديمقراطي يرى الختيم أن السلام لم يتم ربطه مع التحول الديمقراطي أي أن البنود إجرائيا كان ينبغي أن تربط مع نصوص واضحة على إجراء انتخابات في المحليات في السنة الأولى وانتخابات المجالس الولائية وحكام الولايات في السنة الثانية وانتخابات البرلمان القومي في السنة الثالثة وأخيرا إجراء انتخابات الرئاسة إذا تم إختيار النظام الرئاسي.

ونشرت وكالة السودان للأنباء التعديلات التي أجريت على الوثيقة الدستورية مشيرة إلى أنها نشرت في الجريدة الرسمية بوزارة العدل الثلاثاء عقب إجازتها رسميا بين مجلسي السيادة والوزراء .

لكن الخبير الدستوري والأمين العام لنقابة المحامين الطيب العباس يصف في تصريح لـ(التغيير الإلكترونية) التعديلات التي أجريت على الوثيقة الدستورية بالفوضى الدستورية التي لم تحدث قط في تاريخ البلاد.

ورأى العباس إن غياب المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية سمح لمجلس السيادة والوزراء بتمرير التعديلات الأخيرة وهو تغييب متعمد لتمرير مثل هذه التعديلات المخلة وبالتالي هدم أركان دولة القانون التي سعى إليها السودانيون في الثورة الشعبية.

وتابع : “قوى الحرية والتغيير هي التي عينت الجهاز التنفيذي برئاسة عبد الله حمدوك و50% من أعضاء مجلس السيادة لكن في الوقت الحالي هذه الجهات خارج سيطرة الحاضنة السياسية وأضحت الحرية والتغيير لا تستطيع السيطرة عليهم”.

ويرى العباس أن صناعة الدساتير تتنوع مابين دساتير خاصة بالأنظمة العسكرية ودساتير عبر الاستفتاء الشعبي كما تجرى في الجزائر ودساتير عن طريق البرلمان الذي يعبر عن إرادة الشعب ودساتير مثل الواقع السوداني حيث أطاح السودانيون بالنظام وفرضوا الإرادة الشعبية وفوضوا الحرية والتغيير لتكون شريكة مع المجلس العسكري أسست الوثيقة الدستورية.

ضعف قوى الحرية والتغيير

وأردف : “الثورة السلمية المدنية خلصت إلى الوثيقة الدستورية عبر ممثلها الحرية والتغيير وإذا كان هناك أي نية لتعديل الوثيقة يجب أن تكون الجهة التي صاغت الوثيقة هي صاحبة التعديل وليس عبر أطراف أخرى لم تشارك في صناعة الوثيقة”.

وقال الطيب العباس إن الوثيقة الدستورية نصت على أن التعديلات من صميم عمل  المجلس التشريعي الانتقالي لكن المكون العسكري عطل هذا البند لخلق ربكة داخل الحرية والتغيير واضعافها وتغيير شركاء الفترة الانتقالية بإضافة أطراف العملية السلمية “ممثلين في الحركات المسلحة ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك والمكون العسكري ..

ويرى العباس إن اعتبار رئيس الوزراء واحدًا من شركاء الفترة الانتقالية خطأ فادح وهو تماهي من رئيس الوزراء مع المكون العسكري والحركات المسلحة لاعتقاده أن قوى الحرية والتغيير ضعفت وماعادت تتولى زمام الأمور.

ويقول الطيب العباس إن ما ورد في التعديلات يقود إلى ولادة طرف ثالث وهم قادة الحركات المسلحة يتقاسموا 25% من السيادة و25% من الجهاز التنفيذي و25% من المجلس التشريعي في حين أن الأطراف الرئيسية التي وقعت على الوثيقة لم تحصل على 75%.

ويشدد العباس على أن تعديل الوثيقة لا يمكن أن يتم إلا بواسطة ثلثي الأعضاء من المجلس التشريعي الانتقالي وواحدة من ثقوب الوثيقة الدستورية ضعف القدرات القانونية للقانونيين الذين مثلوا الحرية والتغيير.

وأشار الطيب العباس إلى أن التعديل في المادة (80) نص على تشكيل شركاء الفترة الانتقالية من  الحرية والتغيير والمكون العسكري والحركات المسلحة ورئيس الوزراء فيما يعتبر التعديل إقصاء للجان المقاومة والشباب والنساء وهذه تفاصيل مريرة وصادمة ونتاج ضعف قدرات قيادات الحرية والتغيير.

وتوقع العباس تخصيص أقل من 50% من مقاعد المجلس التشريعي لقوى الحرية والتغيير بغرض إضعافها في ظل غياب الرؤية الصحيحة داخلها إلى جانب تشبث المكون العسكري بالسلطة الانتقالية.

من جهته يعتقد عضو اللجنة القانونية عبد المطلب الختيم والذي شارك في التعديلات أن الإجراءات التي تمت بتعديل الوثيقة الدستورية :”تخلق هزة في عملية بناء دولة القانون”.

وكان الحزب الشيوعي حذر من تغييرات في  شركاء الفترة الانتقالية جراء إصرار طرفي اتفاق السلام على تعديل الوثيقة الدستورية عبر الاجتماع المشترك بين مجلس السيادة والوزراء مطالبًا باللجوء إلى المجلس التشريعي الانتقالي لتكون التعديلات دستورية.

ويعتقد الخبير الدستوري والأمين العام للجنة التسييرية لنقابة المحامين الطيب العباس أن المادة (10) التي تنص على أن يكون المجلس التشريعي رقيبًا على الجهاز التنفيذي وفي ذات الوقت تقول المادة 21 الفقرة (أ) إن المحكمة الدستورية مختصة بالرقابة على أعمال وأوامر مجلس السيادة ومجلس الوزراء إلى حين تشكيل المجلس التشريعي لكن ما يحدث حاليًا أن مجلسي السيادة والوزراء لا يخضعان لأي رقابة ويمارسان مهام دستورية وتشريعية ونيابية في إجراء يرتق إلى قمة الفوضى الدستورية باستغلالهما غياب الرقابة

ويختم العباس حديثه قائلًا : “هذا تهريج دستوري وعمل متعمد قد يكرس لنظام لم يتوقعه السودانيون أبدًا عقب الإطاحة بالبشير”.

البرهان يمارس دور رئاسة الجمهورية

ويبدو الضعف البائن في قوى الحرية والتغيير وترهل التحالف الحاكم وعدم هيكلة المكتب السياسي الذي يتخذ القرارات المصيرية في الحرية والتغيير أدى إلى وجود فجوة بين الحاضنة السياسية والجهاز التنفيذي والأعضاء المدنيين بمجلس السيادة .ولو استمر الوضع بهذه الوتيرة قد يقود إلى ولادة حاضنة سياسية من رحم الجهاز التنفيذي ومجلس السيادة بحسب ما يتوقع مراقبون.

ويعبر عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير وعضو اللجنة القانونية الذي شارك في مؤامة التعديلات مع الوثيقة الدستورية عبد المطلب الختيم يعبر عن قلقه من أن مجلس السيادة الانتقالي ماعاد ذا مهام تشريفية فقط،  وبات رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان يلعب دور تنفيذيًا كبيرًا بإدارة ملف السلام والعلاقات الخارجية وأصبح مثل رئيس الجمهورية في ظل الفراغ الذي أوجده الجهاز التنفيذي.

لكن الخبير الدستوري الطيب عباس يعتقد أن  ملف العلاقات الخارجية والسلام انتزعا عنوة من حكومة عبد الله حمدوك لتمرير أجندة يسعى إليها محذرًا من أن السودان على أعتاب وضع شمولي جديد.

ولم تحصل(التغيير الالكترونية) على تعليق من متحدث من مجلس السيادة ووزارة العدل والحركات المسلحة  عما اذا كانت التعديلات قد تلحق أضرارًا بالعملية الديمقراطية وتباعد الشقة بين المدنيين في السلطة والحاضنة السياسية.

لكن نائب رئيس الحركة الشعبية شمال ياسر عرمان كان قد دعا في مقابلة مع تلفزيون السودان السبت الماضي إلى علاقة جديدة بين القوى المدنية والعسكرية لتأسيس التحول الديمقراطي محذرًا من أن البلاد أمام مفترق الطرق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى