أعمدة ومقالات

أبطال الإنتاج

زهير السراج

* كان من المؤمل بعد سقوط النظام البائد أن تدير البلاد مجموعة تأتي من رحم الثورة، تحمل في جيناتها نقاء وطهارة وصدق وشجاعة الثوار لتطهير البلاد من دنس الكيزان وإعادة بناء السودان بكل تجرد ونكران ذات وفهم وإدراك، ولكن للأسف الشديد قفز إلى السلطة أشخاص لا يدري الانسان هل يصفهم بالغباء والبله وعدم الفهم أم الأنانية وحب النفس وعدم الوطنية أم ماذا … وكانت النتيجة الحتمية أن نجد أنفسنا مرة أخرى وبعد أن تحررنا من وباء الكيزان، غرقى في كورونا الغباء والجهل والأنانية وحب الشهوات، ليظل الوطن العزيز حبيس الأحزان!
* لا بأس من إعادة نشر هذه القصة التي تُعبر عن الواقع المرير الذي نعيشه:
* يقول نيكيتا خروتشوف وهو الشخص الذي خلف الزعيم السوفيتي (ستالين) في قيادة الدولة السوفيتية السابقة في خمسينيات القرن الماضي: اتصل بي الرفيق جوزيف ستالين وقال تعال الى مكتبي بسرعة يا نيكيتا.. هناك مؤامرة كبيرة.
* وصلتُ وكان معنا مجموعة من الوزراء، وقال ستالين يا رفيق نيكيتا، لدينا مصنع إطارات سيارات، اهدته إلينا شركة أمريكية قبل سنوات، وظل يعمل بشكل جيد، ولكن فجأة ومنذ ستة أشهر بدأ يصنع إطارات تنفجر بعد بضعة كيلومترات، ولم يعرف أحد السبب.. أريدك أن تذهب إلى المصنع فوراً وتكتشف ما هو السبب!
* ذهبت الى المصنع وباشرت التحقيق فوراً، وكان أول ما لفت نظري هو حائط الأبطال على مدخل المصنع.. على هذا الحائط توضع صور أفضل العمال والإداريين الذين عملوا بجد ونشاط خلال الشهر الماضي، وبدأتُ التحقيقات مباشرة من الإدارة حتى أصغر عامل، ولا أحد منهم يعرف الأسباب!
* قررت النوم في المصنع حتى أحل اللغز، واستيقظت في الصباح الباكر، ووقفت في أول خط الإنتاج وقمت بمتابعة أحد الإطارات ومشيت معه من نقطة الصفر حتى خروجه من المصنع وأصبت بالإحباط.. كل شيء طبيعي وكل شيء صحيح وكل شيء متقن ولكن الإطار انفجر بعد بضعة كيلومترات !
* جمعت المهندسين والعمال والإداريين وأحضرت المخططات، وقمت بالاتصال بالمهندسين الأمريكيين وراجعنا كل شيء من البداية الى النهاية أكثر من مرة، ولكننا لم نصل إلى حل … قمت بتحليل المواد الخام المستخدمة في صناعة الاطارات، وأثبت التحليل أنها ممتازة جداً و ليست هي السبب أبداً، ومرة ثالثة ورابعة ظلت الاطارات تنفجر بدون سبب … أصابني الإحباط، وأحسست بالعجز!
* بينما أنا أمشي في المعمل وأرفع عيني لا شعورياً ناحية حائط الأبطال في المعمل، قال لي مدير المصنع وهو يتحدث بإعجاب عن مهندس تتصدر صورته القائمة، انه ظل على رأس القائمة منذ ستة أشهر.. لفت نظري أنها نفس الفترة التي ظلت تتفجر فيها الإطارات بدون سبب!
* لم أستطع النوم، وقمت باستدعاء هذا المهندس إلى مكتبي فوراً للتحقيق معه، وقلت له، أرجوك اشرح لي يا رفيق كيف استطعت أن تكون بطل الإنتاج لستة أشهر متتالية، قال: لقد استطعت أن أوفر الملايين من النقود للمصنع والدولة، قلت: وكيف استطعت أن تفعل ذلك، قال: ببساطة قمت بتخفيف وزن الأسلاك المعدنية قبل وضعها في الإطار وبالتالي استطعنا توفير مئات الأطنان من المعادن يومياً.. هنا أصابتني السعادة الكبيرة لأنني عرفت حل اللغز أخيراً، ولم أصبر على ذلك!
* اتصلت بستالين فوراً وشرحت له ما حدث وبعد دقيقة صمت قال بالحرف: والآن .. “أين دفنتَ جثة هذا الغبي؟”، أجبته ” في الواقع لم أعدمه يا رفيق .. بل سأرسله إلى سيبيريا، لأن الناس لن تفهم لماذا نعدم بطل إنتاج”!
* ليس بالضرورة أن تكون فاسداً وسارقاً لتؤذي وتدمر.. يكفي أن تكون غبياً..!
الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى