أعمدةأعمدة ومقالات

إغتيال بهاء وتراجيديا القانون في السودان

معاذ زكريا المحامي 
أثارت حادثة مقتل المرحوم بهاء الدين نوري على يد أفراد من قوات الدعم السريع غضب الشارع السوداني ، وأعادت الحادثة إلى الأذهان ذكرى بيوت الأشباح ” سيئة السمعة ” في عهد النظام البائد.
الحادثة التي كشف تفاصيلها تحقيق صحفي نشر بتاريخ ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٠م عبر صفحة ” مونتي كاروو ” بالفيسبوك جاء فيه:- ( أن وفاة بهاء الدين حدثت بأحد مراكز قوات الدعم السريع أثناء التحقيق معه ونُقل الجثمان إلى قسم الصافية بالخرطوم بحري ومن ثم تم تحويله لمشرحة أم درمان ).
وبحسب تحقيق آخر نشرته ذات الصفحة بتاريخ ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٠م ، جاء فيه:- ( أن التحريات الأولية – بحسب مصدر مطلع بالشرطة – تفيد بتعرض المرحوم بهاء للإستدراج بواسطة مجموعة من الأشخاص يستغلون سيارة بدون لوحات ، بحجة إصلاح مكيفات لإحدى الشركات ، ليجد نفسه معتقلاً لدى قوات الدعم السريع بتهمة الإنتماء لمجموعة إرهابية تتاجر في المفرقعات).
ولما كان تقرير الطب الشرعي الأول قد إستبعد شبهة العمل الجنائي وراء الحادثة ، وعزى الوفاة لأسباب طبيعية ، في إعادة – سمجة – للتقرير الملفق في حادثة مقتل الشهيد الأستاذ/ أحمد الخير ، حيث جاء بالتقرير أن الخير تعرض لحالة تسمم غذائي ، تقدمت أسرة المرحوم/ بهاء بطلب للنيابة العامة بإعادة تشريح الجثمان بواسطة لجنة محايدة.
إستجابت النيابة العامة لهذا الطلب وتم تكليف لجنة طبية برئاسة دكتور عقيل سوار الدهب.
وفي بيان للنيابة العامة بتاريخ ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٠م ، ذكرت أن التقرير الأخير جاء أثبت تعرض المجني عليه لإصابات  متعددة أدت إلى وفاته ، وبناءً عليه قررت النيابة العامة قيد دعوى جنائية بالرقم ( 494/2020 م ) تحت أحكام المواد 21/ 130 من القانون الجنائي لسنة 1991م ، وتكليف عدد ثلاثة وكلاء نيابة برئاسة رئيس نيابة عامة لمباشرة التحري والتحقيق في الحادثة.
الحادثة تكشف لنا عن محنة القانون في سودان ما بعد الثورة ، لنحاول تتبع الجرائم وراء هذه الحادثة والتي تمت بالمخالفة للقانون الجنائي لسنة ١٩٩١م المعدل.
* مجموعة أشخاص تقوم بخداع شخص بحجة صيانة مكيفات ثم تقتاده لمكان مجهول ( المادة ١٦٢ الخطف ).
* تقوم هذه المجموعة بإحتجاز هذا الشخص دون مسوغ قانوني ، وبطريقة سرية تعرض حياته للخطر ( الإعتقال غير المشروع المادة ١٦٥ ).
* خلال فترة إحتجازه يتعرض هذا الشخص للضرب والتعذيب مما يسبب له ألماً وضرراً بالغين (  الأذى والقوة الجنائية  – المادتين ( ١٤٢ و ١٤٣ ).
* نتيجة هذا التعذيب فإن الموت يكون نتيجة راجحة لهذا الفعل ، ( القتل العمد – المادة ١٣٠ ).
* جدير بالذكر أن هؤلاء الأشخاص غير مخول لهم سلطات الضبط والإحضار والقبض والتحقيق مع المواطنين ، في إساءة لإستغلال السلطة ، و إنتهاك لحق مكفول بموجب الدستور والقانون.
* أضف إلى ذلك أن قوات الدعم السريع لا تملك سلطة التحقيق والتحري مع المواطنين المدنيين ، فبحسب قانون الإجراءات الجنائية لسنة ١٩٩١م فإن مسائل الضبط والإحضار والقبض من إختصاص الشرطة ، كما أن التحقيق والتحري في الدعاوى الجنائية من حق أصيل للنيابة العامة ، يجوز أن تتولاه شرطة الجنايات العامة تحت إشراف وكيل النيابة.
ولما كان القبض على المواطنين يحد من حقهم الدستوري في الحرية ، قيّد المشرع إستخدام هذا الحق بواسطة جهات الإختصاص كالشرطة والنيابة والقضاء ، بحيث قسم الجرائم من حيث – إمكانية القبض فيها – إلى قسمين ، جرائم يجوز فيها القبض بدون أمر من النيابة أو المحكمة وهي الجرائم المنصوص عليها في الجدول الثاني الملحق بقانون الإجراءات الجنائية ، والقسم الآخر التي لا يجوز القبض فيها إلا بإذن من وكيل النيابة أو القاضي.
لكننا للأسف نشهد هذه الأيام حالة من الفوضى غير الخلاقة ، كثُرت فيها معدلات القبض على المواطنين وإحتجازهم وتعذيبهم بواسطة أشخاص مجهولين يستغلون سيارات لا تحمل لوحات ، وهنا يجوز لنا أن نتساءل عن دور الإدارة العامة للمرور في ضبط تحركات مثل هذه السيارات ، ولماذا يتم السماح لها بالتنقل بحرية في شوارع ومدن العاصمة ، وهي غير مرخص لها أصلا؟.
زبدة القول أن لا مدنية بلا حرية ، ولا مدنية بلا قانون ، فإن كنا حقاً ننشد بناء دولة مدنية على أنقاض الدولة الديكتاتورية التي خرجنا ضدها في ثورة ديسمبر ٢٠١٨م العظيمة ، فلابد للقانون أن يعلُو لا أن يُعلى عليه ، وهذا دور الأجهزة العدلية مجتمعة في إعلاء سيادة حكم القانون ، وضمان مساواة الجميع أمام القانون.
ودورنا نحن كمواطنين أن نتصدى – حسب مقدرة كل واحد منا – لحالات إنتهاك القانون ، فمنع الجريمة واجب الكافة.
لا يكفي أن يتم تقديم الجناة في إغتيال الشهيد/ بهاء للقضاء ليتولى أمر محاكمتهم ، ولكن يجب ضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث لمواطنين أبرياء أُخر ، وهذا لا يتأتى إلا بإحكام سيادة حكم القانون ، وهو أمر يتطلب بالضرورة إغلاق جميع مراكز الإحتجاز غير القانونية التي تتبع لبعض الجهات الأمنية ، وحصر عمليات الضبط والإحضار والقبض على قوات الشرطة فقط وبالزي الرسمي أو بعد إبراز ما يثبت تبعية من يتولى القبض للشرطة ، مع بيان التهمة التي بموجبها تم القبض.
أعتقد أن هنالك حوجة ملحة الآن أكثر من أي وقت مضى لتعديل قانون الإجراءات الجنائية لسنة ١٩٩١م ، بحيث يسمح للمحامي حضور التحري مع موكله ، فوجود محامي مع الشخص المُتحرى معه يعطى ضمانات أكبر حول حماية الحقوق الدستورية والقانونية للشخص موضوع التحري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى