أعمدة

بايدن في البيت الأبيض.. الديمقراطية تسود

معاذ زكريا المحامي

معاذ زكريا

جاءت إفتتاحية عدد من الصحف العالمية تحت عنوان: (الديقراطية تسود) عشية تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب جوزيف بايدن، ليكون بذلك الرئيس رقم (٤٦) للولايات المتحدة الأمريكية.

طريق بايدن نحو البيت الأبيض لم يكن مفروشاً بالورود، خصوصاً وأنه واجه خصماً في غاية العناد والنرجسية، مثل الرئيس السابق دونالد ترامب، رجل تضخمت عنده الأنا لدرجة جعلته لا يصدق أن مثله يمكن أن يخسر في الإنتخابات الرئاسية، فرفض الإقرار بهزيمته، صحيح أن ترامب لم يكن أول مرشح رئاسي يرفض الإعتراف بفوز خصمه، فقد سبقه لذلك المرشح الديمقراطي آل غور إبان إنتخابات عام ٢٠٠٠م العاصفة، حيث رفض في باديء الأمر الإقرار بهزيمته وفضل بدلاً من ذلك اللجوء للقضاء، الذي قال كلمته بفوز منافسه جورج بوش الإبن، فما كان من السيد آل غور إلا التسليم بقضاء المحكمة، وقال معلقاً على الحكم: (هذا الحكم لا يعجبني، ولكنني أقبله من أجل وحدتنا ومن أجل ديمقراطيتنا).

جرى العرف في الولايات المتحدة الأمريكية بأن يتصل المرشح الخاسر بخصمه الفائز في الإنتخابات لتهنئته، وفي ذلك دليل على إحترام قواعد اللعبة الديمقراطية، وإحترام إرادة الناخبين.

إلا أن السيد ترامب قرر أن يتجاهل كل ذلك العرف والإرث المتحضر، وذهب أبعد من ذلك عندما إدعى بان حملة منافسه بايدن قد قامت بتزوير الإنتخابات وسرقتها، في سابقة نادرة في التاريخ الأمريكي الحديث، جعلت البعض يسخر من العملية الإنتخابية الأمريكية برمتها، وليت الأمر إنتهى عند هذا الحد، بل جاءت قاصمة الظهر يوم السادس من يناير الجاري، عندما إقتحمت مجموعات من الغوغاء – كما سماها البعض – مبنى الكابيتول في واشنطن العاصمة، وعاثوا فيه تخريباً وفسادا، دافعهم في ذلك إحساس مضلل بسرقة الإنتخابات إثر خطاب للرئيس ترامب دعاهم فيه للحضور للعاصمة واشنطن والإحتجاج على ما أسماه – سرقة أصوات الناخبين – بالتزامن مع موعد تصديق الكونغرس على نتيجة الإنتخابات وتنصيب منافسه بايدن.

وضع السيد ترامب بتصرفاته الهوجاء هذه الجميع في حالة من الحذر والترقب، وبدأ البعض يتحدث عن سيناريوهات الرفض والممانعة، ماذا لو رفض ترامب تسليم السلطة لسلفه بايدن، وكيفية التعاطي مع هذا الأمر حال وقوعه، ماذا لو إمتنع عن مغادرة البيت الأبيض، إلا أن الرجل تعقل في اللحظات الأخيرة وقبل – على مضض – بالوافد الجديد على البيت الأبيض، فالولايات المتحدة الأمريكية دولة قانون ومؤسسات لا مجال فيها لمثل هذه السيناريوهات الفوضوية، لذلك تقدم مجموعة من أعضاء الكونغرس بمشروع قانون لمحاكمة ترامب بتهمة التحريض على التمرد.

الدرس الذي يمكن أن نتعلمه من كبرى الديمقراطيات في العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية، أن الديمقراطية يمكنها أن تترنح، ولكنها في كل مرة تعاود النهوض من جديد، فلا بديل للديمقراطية إلا الديمقراطية، الدرس الآخر أنه في الدول الديمقراطية لا أحد أكبر من القانون حتى ولو كان الرئيس نفسه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى