أعمدة ومقالات

انهيار قطاع الكهرباء: ما الذي ينتظر السودانيين في وقت الذروة؟ «2-2»

يسلط محمد المصطفى يوسف، في مقال من جزئين،  الأضواء الكاشفة على ما ستكون عليه أوضاع الكهرباء خلال موسم الصيف.

محمد المصطفى يوسف

تُعد مشكلة عدم القدرة على إجراء الصيانة الوقائية من أكبر المشاكل التي تواجه شركة التوليد الحراري؛ فهي تتطلب قطع غيار لا يمكن الحصول عليها إِلَّا بالعملة الصعبة.

وبحسب تعبير المدير العام لشركة التوليد الحراري المهندس يوسف الطاهر فإن المخازن “فارغة من قطع الغيار” إضافة إلى أن العديد من طلبيات قطع الغيار قد تأخذ أشهراً لتصل، قد تصل لأربعة، قابلة للتمديد لثمانية أشهر من الانتظار لطلبيات قطع الغيار.

كيف سيؤثر ذلك على التوليد الحراري؟

سيكون أثره كبيراً، فقد أكد المدير العام لشركة التوليد الحراري، أن أقصى ما يمكن توليده هذا العام من التوليد الحراري لن يتجاوز 1300 ميغاواط.

وتعجز الشركة عن اتخاذ قرارات استثمارية عدة، فهي لم تتمكن حتى الآن من إكمال مشروع قري 3 المعتمد على توربينات الغاز، وبسعة إنتاجية 450 ميغاواط، يمكن تحويلها لدورة مركبة بإنتاج إضافي بنسبة 50%.

ولقد اكتمل المشروع بنسبة 90%، إِلَّا أن العجز المالي أثر على استمراريته، وسيحتاج لتمويل يقدر بـ 18 مليون دولار، و 4 أشهر لاستكماله.

وليس مشروع قري 3 الوحيد، فهناك محطة بورتسودان أيضاً، وهي بحاجة لـ8 مليون دولار و8 أشهر لتكتمل، وكل هذه الاستثمارات المتوقفة تنتظر النقد الأجنبي لتكتمل.

وترافق تكاليف الاستثمارات الرأسمالية للتوسع لتلبية الطلب المتزايد أعباء إضافية، مثل أعباء تأمين الوقود الذي يساهم في زيادة كلفة الإنتاج أيضاً، بحيث يشكل 70% من قيمة تكلفة الإنتاج الحراري، ويستهلك بكميات كبيرة كذلك.

وتحتاج محطة بحري للتزود بـ1200 طن من وقود الفيرنس بشكل يومي. ولقري، يزداد الطلب اليومي ليصل لـ1600 طن. أما بالنسبة للمحطة الأكبر، محطة كوستي، فهي تحتاج لـ18000 برميل من الوقود يومياً، ولا تتحمل محطة كوستي أي تعطيل في امدادات الوقود بسبب التمويل؛ فهي تتزود بالوقود بخط أنابيب يربطها بجنوب السودان، وضمن إطار اتفاقيات ملزمة مع حكومة الجنوب.

أقصى ما يمكن توليده هذا العام من التوليد الحراري لن يتجاوز 1300 ميغاواط

بالنسبة لمشكلتي النقل والتوزيع في السودان، فان المشكلة جذورها هي نقص التمويل، ولكن آثارها لوجستية وترتبط بجودة الخدمات المقدمة أيضاً، وتنعكس على الصيانة التي يحتاجها الجمهور.

إن أول مشكلة تواجه شركة التوزيع هي مشكلة تخطيط المدن، ومعضلة تحديد المناطق الزراعية، الصناعة، والسكنية بشكل فعّال، هذه مشكلة ناتجة عن سوء التخطيط المديني وبشكل رئيسي.

كذلك، لا تتوفر للشركة معلومات عن التوسع العمراني في المناطق؛ فهناك أحياء درجة ثالثة تترفع للدرجة الأولى في غضون سنوات قليلة جداً.

ومن أكبر مشاكل النقل في السودان أيضاً، مشكلة الشبكة، وهي هوائية، متهالكة، سيئة الجودة وبحاجة ماسة للصيانة. وهنا، لا تختلف مشكلة التوزيع والنقل عن مشكلة التوليد الحراري.

ويعد السودان كابوساً لوجستياً، وقطاع الكهرباء لن يكون استثناء، حيث يواجه صعوبة في صيانة المعدات المزودة للجماهير المنتفعة من الخدمة.

ومن أهم النماذج، نموذج العداد الالكتروني المصنع محلياً والذي سيدخل في الخدمة قريباً، إِلَّا أن تصنيعه يواجه أزمة تمويل شراء مواد تصنيعه بالعملة الصعبة.

ومن المعدات المصنعة محلياً أعمدة الكهرباء ذات المواصفات الخاصة، وإنتاجها متوقف حاليا؛ نظراً لتوقف مصنع الموردة المصنع لها منذ 6 أشهر، ولا يعلم أحد متى سيعود للعمل لكونه هو الآخر بحاجة لإعادة رسملة.

وتعاني شركة التوزيع المعنية بالتحصيل كذلك، جاعلة إياها مصدر الايرادات الرئيس للشركة القابضة، من مشكلة فجوة الايرادات التي وضحناها سابقاً، والتي لن تحلها مشكلة تعديل التعرفة؛ فما زالت الكهرباء السودانية تباع للجماهير بأقل من 1 سنت لكل كيلوواط/ساعة، وتكلفة إنتاجها تصل لـ22 سنت لكل كيلوواط/ساعة.

ووجب التنويه لمشكلة يخلقها تدهور العملة المحلية، أَلا وهي تزايد سعر التعرفة الاسمية، بينما يتناقص بالمقابل سعر التعرفة الحقيقية. وتعد تعرفة استهلاك الكهرباء السودانية هي الأرخص في المنطقة رغم تزايد سعر التكلفة الاسمية.

تعرفة استهلاك الكهرباء السودانية هي الأرخص في المنطقة رغم تزايد سعر التكلفة الاسمية

قد يتساءل القارئ بعد عرض الأزمة التي تضرب قطاع الكهرباء: هل لدى الحكومة أي مشاريع بخصوص هذا القطاع؟ الجواب هو نعم بالطبع، فللحكومة مشروع لترشيد استهلاك الكهرباء للقطاع الحكومي، عن طريق تغيير مصابيح الإضاءة بمصابيح اقتصادية، والعمل على تزويد مختلف المرافق بمكثفات، إضافة للمشاريع الأخرى.

لكن، بالطبع، تلك المشاريع ليست مجانية. وهي، بالاضافة لمشاريع أخرى، ستكلف الحكومة أكثر من 188 مليون دولار.

علاوة على ذلك، تحتاج شركة التوزيع للأيدي العاملة، فهي توظف أكثر من 5 آلاف موظف لخدمة أكثر من 2.7 مليون، يمثل القطاع السكني 70% منهم.

وستحتاج الشركة لزيادة الموظفين سنوياً، اذا ما أراد القطاع الكهربائي، بمجمله، تلبية الطلب السنوي المتزايد 11%. وتتوسع الحكومة في التوليد بالطاقة الشمسية كذلك.

ختاماً، من المؤسف أن نعلم أن سد مروي قد أنتج هذا العام طاقة كهربائية تعد من الأعلى في تاريخه، فأزمة قطاع التوليد الكهرومائي والحراري وشح العملة الصعبة اللازمة للقيام بأعمال الصيانة الدورية للتوربينات، ولتأمين الوقود طمست هذا الانجاز.

وما يطمس كارثة القطاع الكهربائي بالكامل، هو حقيقة أن هذه الخدمة يتمتع بها 32% أو أقل من السودانيين فقط.

وفي صيف 2021، حتى تلك النسبة الضئيلة جداً، قد تصطدم بحقيقة أنها يجب أن تتعايش مع واقع جديد، وهو إلزامية التعايش مع قطوعات دورية للتيار الكهربائي، قد تمتد لأيام، في صيف هذا العام، فهذا ما ينتظرنا وقت الذروة، وهذا أثر الوقوف المفاجئ على قطاع التنمية ولا إنتاج بدونه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى