«تعويم الجنيه السوداني».. مخاوف وتطمينات
قوبل قرار «تعويم الجنيه السوداني» بردود فعل متباينة، ففيما اعتبره البعض جراحة لابد منها وستؤدي للشفاء، ذهب آخرون إلى أنه قرار كارثي.
التغيير- سارة تاج السر
أصدر بنك السودان المركزي، قراراً مفاجئاً بتوحيد سعر الصرف للعملات الأجنبية «تعويم الجنيه مقابل العملات الأخرى» عتبارا من الأحد 21 فبراير الحالي، وأعلن حزمة من السياسات والإجراءات بهدف إصلاح سعر الصرف وتوحيده بإنتهاج نظام الصرف المرن المدار.
«9» أهداف
ووفقاً لمنشور البنك المركزي، فإن الحكومة تأمل في تحقيق «9» أهداف على رأسها توحيد واستقرار سعر الصرف، تحويل الموارد من السوق الموازي إلى السوق الرسمي، استقطاب تحويلات السودانيين العاملين بالخارج عبر القنوات الرسمية.
بالإضافة إلى استقطاب تدفقات الإستثمار الأجنبي، تطبيع العلاقات مع مؤسسات التمويل الإقليمية والدولية والدول الصديقة بما يضمن استقطاب تدفقات المنح والقروض من هذه الجهات.
فضلاً عن تحفيز المنتجين والمصدرين والقطاع الخاص بإعطائهم سعر الصرف المجزي، الحد من تهريب السلع والعملات، سد الثغرات لمنع استفادة المضاربين من وجود فجوة ما بين السعر الرسمي والسعر في السوق الموازي، والمساعدة فى العمل على إعفاء ديون السودان الخارجية بالإستفادة من مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون.
اختلالات هيكلية
وأقر المركزي بأن الاقتصاد السوداني ظل يعاني من اختلالات هيكلية تمثلت في الإختلال الداخلي «على سبيل المثال إرتفاع عجز الموازنة العامة للدولة» والإختلال الخارجي «إرتفاع عجز ميزان المدفوعات».
وذكر أن ملامح وأعراض هذه الإختلالات بدت في إرتفاع معدلات التضخم، وتعدد أسعار الصرف والتدهور المستمر فى سعر الصرف للعملة المحلية مقابل العملات الأجنبية.
وقال البنك في بيانه إن هذه الاختلالات ظهرت بعد إنفصال دولة جنوب السودان وذهاب معظم الإحتياطي النفطي واستمرار عدم الإستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، مع استمرار الحظر الاقتصادي الأمريكي، ووجود اسم السودان في القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وما نتج عنها من صعوبات وتعقيدات في علاقات المراسلة الخارجية للمصارف السودانية وانحسار تدفقات النقد الأجنبي، وتعذر استفادة السودان من المبادرات الدولية الخاصة بإعفاء الديون مثل مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون المعروفة إختصاراً بــ«HIPC».
واعتبر أن التطورات السياسية بعد ثورة ديسمبر وتوقيع إتفاقية سلام جوبا وفي إطار الإنفتاح على العالم الخارجي بعد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، تحتم إعادة النظر في كل السياسات الاقتصادية للدولة لتتماشى مع مطلوبات هذه المرحلة بما يساعد في تحقيق الإستقرار الاقتصادي، ولمعالجة هذه الإختلالات تطلب الأمر التنسيق والتعاون التام بين الجهات ذات الصلة.
ربكة السوق الموازي
ووجه المركزي المصارف وشركات الصرافة لتنفيذ الرؤية الإصلاحية للدولة، الأمر الذي أحدث ربكة بالسوق الموازي، واضطر التجار لرفع سعر الصرف من «260» جنيهاً إلى السعر الرسمي المحدد من البنك المركزي «375» جنيهاً بدلاً عن «55» جنيهاً، فيما امتنع آخرون عن الشراء والبيع لحين اتضاح الرؤية عقب المؤتمر الصحفي لوزير المالية ومحافظ البنك المركزي.
تباين الآراء
وتبيانت آراء مسؤولين وخبراء اقتصاديين، بشأن الخطوة حيث وصف البعض القرار بأنه كارثي، لكونه يُسهم في ارتفاع أسعار السلع وتكاليف الإنتاج، وزيادة معدلات التضخم.
فيما اعتبره آخرون اتجاهاً لتثبيت سعر الصرف، وأقروا بأن التحرير عملية جراحية معقدة، ولكنها مهمة لمعالجة الاختلالات والحفاظ على توازن الاقتصاد.
غطاء مالي
ودافع المستشار الإعلامي السابق لرئيس الوزراء فايز السليك، عن القرار، وأوضح أنه كان مثار جدل مع المؤسسات الدولية والدول المانحة، حول توقيت القرار، حيث اقترحت الحكومة توفير غطاء مالي قبل التحرير، وقد ربط شركاء السودان في برلين تحويل مبلغ «1.8» مليار دولار بتعديل سعر الصرف القديم باعتباره سعراً غير واقعي، مثلما اشترط البنك الدولي تحويل «1.7» مليار دولار تذهب كمشاريع لدعم التعليم، الصحة، البنى التحتية، وينطبق ذات الموقف على الولايات المتحدة الأمريكية ومطالبتها بإصلاح مصرفي ومالي ومؤسسي لضخ التزاماتها المالية.
واشار السليك في صفحته بـ«فيسبوك»، إلى أن الحكومة، أجرت قبل أيام مفاوضات مع المملكة العربية السعودية لفك ما تبقى من منحة التزمت بها مع الإمارات العربية المتحدة تجاه البلاد، إلا انها تعطلت لاسباب منها مواقف سياسية.
واعتبر أن تحرير سعر الصرف عملية جراحية معقدة، تجرى لمريض في غرفة انعاش، ولا علاج بدونها، وقال: «أتوقع حدوث مضاعفات في المنظور القريب، ثم فترة نقاهة وشفاء في المستقبل».
تحويلات مرتقبة
فيما رهن مسؤول سوداني رفيع بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي- فضّل حجب هويته- نجاح تعويم الجنيه، بتوفير احتياطي من النقد الأجنبي.
وكشف لـ«التغيير»، أن البلاد على وشك استقبال مبلغ «400» مليون دولار من صندوق النقد الدولي، فضلاً عن استقطاب ملايين الدولارات من مدخرات المغتربين والمنظمات التي ستدخل القطاع المصرفي وتزيد من رصيد العملة الأجنبية.
وتوقع أن يتسبب القرار في غلاء تكلفة المعيشة وارتفاع في معدلات التضخم قبل أن يستقر الوضع خلال أسابيع وفق الخطة الموضوعة.
وأكد المسؤول أن القرار كان ضرورياً لإيقاف انهيار العملة الوطنية وهدم الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي.
قتل الاقتصاد
بالمقابل، اعتبر الخبير الاقتصادي بالحزب الشيوعي السوداني كمال كرار، أن المواطن السوداني هو المتضرر الأول.
وقال: «بتلك الخطوة فإن الحكومة خرجت من السيطرة على سوق النقد الأجنبي وسلّمته لتجار العملة الذين سيحدِّدون السعر وفق عمليات العرض والطلب مما يعني مزيداً من الارتفاع وإدخال العملة الوطنية في لجة التضخم والسوق الأسود الغير منظم وإصابة الاقتصاد في مقتل».
ورأي كرار خلال مقابلة مع «التغيير»، أن التحرير يصب في مصالح الموردين والمصدرين وأصحاب الدخول بالعملات الصعبة.
وقال: «كلما تضاعف السعر كان في صالحهم من غير قيود خدمية».
واعتبر أن الحكومة انحازت للأغنياء على حساب الفقراء، وأضاف بأن السياسة الاقتصادية تدور الآن عكس عقارب الثورة.
وأشار إلى الحكومة كان أمامها ألف مخرج لمعالجة الأزمة الاقتصادية، لكنها تلميذ مطيع لصندوق النقد الدولي وتنفذ توجيهاته وإملاءته الخارجية، ونفى أن يكون القرار سياسة وطنية.
وأكد أن البنك المركزي لا يملك أي احتياطي والحكومة تعلم تمام العلم بأن الدولار في «السوق العربي وشارع الجمهورية».
وتوقع ارتفاعاً في سوق العملات الموازي إلى معدلات قياسية الأيام المقبلة.
قرار كارثي
المصرفي محمد عبد العزيز، وصف القرار بأنه «كارثي».
وأشار إلى أن كل التعاملات الحكومية من الآن فصاعداً ستسعر بالسوق الأسود والحكومة ستكون منافساً للأخير .
ونوه إلى أن التجربة نجحت في مصر لآن البنك المركزي سند الجنيه المصري بالاحتياطي النقدي الذي يملكه، بينما لا يملك السودان نقداً أجنبياً يمكنه من سد الفجوة.
ولفت إلى أن الغرض الأساسي من التعويم هو زيادة الدخل من الجمارك.