حكاية تهريب الذهب عبر مطار الخرطوم من الأوقية للجرام الألف
أصابع الاتهام تشير إلى نافذين
يفترض أن يكون الذهب المورد الأول لرفد الخزينة العامة، ولكنه ذلك لا يحدث، والسبب التهريب. تهريب يتم بمعظم وكافة الطرق، بما فيها مطار الخرطوم، فمتى تنتهي هذه الرحلة.
تقرير : الفاضل إبراهيم
الضبطيات المتوالية للذهب المهرب عبر مطار الخرطوم الآونة الأخيرة فرضت تساؤلات في الشارع العام السوداني عمّن يقوم بتهريب الذهب عبر المطار؟ ومنذ متى يتم التهريب؟ والكميات التي تهرب وإلى اين تذهب؟
وزادت تصريحات مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك أردول من وتيرة الغموض حول هذا الملف بعد ان طالب المسؤول الحكومي بأحدى أكبر الشركات الحكومية العاملة في مجال المعادن والذهب بضرورة الإسراع في رفع الحصانة عن المتورطين بالتهريب عبر المطار، الأمر الذي يعني أن بعض من يقومون بالتهريب لديهم حصانات وبالتالي هم يتمتعون بنوع من النفوذ الحكومي.
التهريب عبر مطار الخرطوم الدولي ليس الأكبر من حيث الحجم مقارنة بالمعابر البرية، بحسب الجهات الحكومية مقارنة بالإنتاج الكبير في مناطق الذهب في 11 ولاية سودانية غير أن التهريب عبر مطار الخرطوم يعكس مدى الاختراق لجهة سيادية ورمزية مثل مطار الخرطوم الامر الذي يؤثر سلباً على سمعة البلاد واقتصادها .
مئات الأطنان من المعدن النفيس لم يستفيد منها السودان في وقت يعاني الشعب من شظف العيش بسبب الضائقة المعيشية التي تعصف بالبلاد فالتهريب ظل سمة ملازمة لقطاع الذهب حيث يرجح أن 70% إنتاج البلاد يهرب للخارج نتيجة لضعف السياسات والقوانين بجانب عدم المراقبة الأمنية.
رد سلطة الطيران المدني
حول ما أثير من حديث حول تهريب الذهب عبر مطار الخرطوم أوضح مدير عام سلطة الطيران المدني إبراهيم عدلان في حديث عبر الهاتف لـ(التغيير) إنهم يمثلون سلطة رقابية وليست تشغيلية تعطي موجهات فقط للمطارات التي تديرها أمنياً شركة وطنية لا تتبع لسلطة الطيران المدني.
مشيراً إلى أن تصديه للحديث حول عدم وجود ثغرات في المطار جاء للتوضيح فقط رغم أن أنها ليست مسؤوليتهم لجهة أن الطيران المدني منظومة متكاملة في العالم وما يحدث في السودان او مايقال يؤثر علي سمعة البلاد لذلك كان لا بدَّ من توضيح الحقائق للرأي العام .
وفيما يتعلق بالتهريب قال عدلان إن كل مطارات العالم يحدث فيها تهريب فنحن كسودانين لسنا ملائكة.
مؤكدا في الوقت ذاتة أنهم يواجهون اشكاليات موروثة منذ العهد البائد فمثلا هناك فوضي في بطاقات الدخول للمطار توجد 15الف بطاقة قمنا بتقليصها إلى سبعة آلاف ومن ثم إلى ثلاثة آلاف بطاقة للمساعدة في ضبط الحركة كما تم تشكيل اتيام مشتركة لحفظ الأمن تشمل الجمارك والمباحث والاستخبارات .
خصخصة أمن المطار
رأى مدير عام سلطة الطيران المدني إبراهيم عدلان إن أكبر مشكلة تواجههم هي خصخصة أمن المطارات واصفاً خصخصة أمن المطار وتسليم الأمن لشركة بالجريمة التي لاتغتفر
قائلاً: أمن المطارات في كل العالم لايخصخص فمنذ العام 2015 لم يعد أمن المطار يتبع لسلطة الطيران المدني بل يتبع لشركة المطارات وهذا الامر طبعا غير منطقي ومخالف حتى للتوجيهات والتوصيات الدولية الصادرة من مجلس الأمن في العام 2016 وتؤكد من خلال الفقرة 2306 ان أمن المطارات يمثل جزء من أمن أي بلد ورغم ذلك تم منح سلطة الأمن في المطار للشركة.
كما ان اللوائح –والكلام ما يزال لعدلان- تؤكد أن سلطة الطيران المدني مفترض تكون السلطة الأولى في المطار حالياً فيما نحن بدون سلطات خاصة فيما يتعلق (بالأمن والتصديقات والإبعاد)
توصية لوزارة الدفاع
كشف إبراهيم عن دفعهم لتوصية لوزارة الدفاع لإعادة الإشراف علي الأمن لسلطة الطيران المدني حتي تكون الأولى لأنها تستمد قوتها وحصانتها من قانون الطيران المدني الذي يمنحها الأولية كسلطة (معيارية) في المطار علي الجهات الأخرى مثل الجمارك فلا يمكن ولا يستقيم أن يكون موظفي الطيران المدني جالسين في المكاتب على اجهزة (أكس ري) دون سلطات لان هنالك جهة أعلى منهم متمثلة في الجمارك، ورغم ذلك نحاسب من قبل المنظمة الدولية للطيران المدني (الايكاو) لذلك نقول بكل صراحة مايحدث في المطار نتاج لقرارات نظام بائد لا بدَّ ان تتغير مع الثورة.
عصابات
يقول المدير السابق للشركة السودانية للموارد المعدنية د. يوسف محمد أحمد ان إنتاج الذهب يتراوح ما بين 120 الى 200 طن في العام الا أن صادر بنك السودان في العام 2018 والعام 2019 لم يتجاوز 30 طنا، وبالطبع ضاع ما تبقى من هذا الرقم نتيجة للتهريب المستمر خاصة في قطاع التعدين الأهلي
عودة المركزي
حول امكانية مساهمة قرار بنك السودان والخاص بالعودة من جديد لشراء وبيع الذهب وإقامة بورصة عالمية للذهب في الحد من التهريب وتوفير عائدات للبلاد قطع د. يوسف بعدم جدوى القرار وقال لـ(التغيير) القرار غير واضح حيث لم يذكر كيفية قيام بنك السودان بالشراء والصادر، هل تتم عبر وكلاء للبنك أم يقوم البنك بذلك بنفسه.
وأضاف تهريب الذهب لن يتوقف بقرارات بل سياسات معلومة والمعروفة وأضاف ولكن الشئ المستغرب هو ما جاء في حديث نائب رئيس مجلس السيادة ورئيس لجنة الطوارئ الاقتصادية الفريق محمد حمدان دقلو حميدتي والذي ذكر في أول خطاب له إبان توليه اللجنة إن مطار الخرطوم أكبر منفذ لتهريب الذهب وهنا يبرز سؤال لماذا لم يتم إيقاف مسلسل تهريب الذهب طالما أعلى جهة بالبلاد لديها معلومات بهذا الخصوص .
وقدم د. يوسف سرد تاريخي لتصدير الذهب عبر بنك السودان المركزي قائلا: سبق إن طبق بنك السودان ذات السياسة خلال فترات سابقة مثلا في العام 2019 كان يشتري الذهب عن طريق وكلاء أبرزهم شركة الفاخر وشركة الجنيد وشركة أخرى تتبع الفادنية وكوفتي وعن طريق مصفاة الذهب التابعة للبنك. حيث فتح البنك مكتب بعمارة الذهب بالخرطوم ولكن ماحدث هو أن هؤلاء الوكلاء أنفسهم يتلاعبون ويضاربون بالذهب لدرجة ان سعر الجرام في الخرطوم أصبح أعلى من سعره في دبي لكن رغم ذلك استمر الوكلاء في الشراء والبيع والتصدير للخارج بعد تحولوا لتجارة الدولار والعملات.
فالوكيل حسب يوسف يشتري بسعر عالي بالجنيه السوداني في الخرطوم ويبيع في دبي بسعر أقل من الخرطوم لكنه يقبض السعر دولار ودرهم فيقوم ببيع هذه العملات في الخرطوم لانخفاض سعر الجنيه أمام هذه العملات هكذا كان يفعل وكلاء بنك السودان الذي كان يتفرج لأنه ببساطة “حاميها حراميها”.
تخصص تهريب
يتهم عبد الله “أ” فرد أمن سابق بالمطار موظفين كبار بالمطار وشركات وشخصيات عامة بتهريب الذهب ويقول هنالك عصابات تعمل علي تهريب الذهب وأخرى متخصصة في العملات وثالثة تنشط في الممنوعات الأخرى كالسجائر وبعض الكريمات والأدوية.
ويضيف عملية التهريب تحتاج لغطاء كبير من عدة جهات لذلك هي شبكات منظمة لكن الخناق بدأ يضيق عليها في الفترة الاخيرة وبدأت تتساقط لكن في اعتقادي الشخصي الرؤوس الكبيرة لم يتم كشفها حتى الآن.
واوضح عبد الله أن تقسيم أدوار التهريب يتم داخل الصالة نسبة للفوضى التي تضرب العمل في المطارات مشيرا إلى ان النظام البائد استبدال العناصر الأمنية المؤهلة بأخري ليس لها خبرة في العمل هؤلاء ربما لايعلمون حقيقة الوضع خاصة وأنهم تابعون لشركات امنية خاصة كل الذي يهمهم المرتب في نهاية الشهر.
ويعتقد عبد الله أن تهريب الذهب عبر المطار ليس المشكلة الكبيرة ولكن التهريب عن طريق الحدود مع مصر هو الأكبر.
ويقول بعد فصلي من العمل بواسطة سلطة الطيران المدني اتجهت للعمل بالذهب (كدهابي) لمدة ثلاثة سنوات وشاهدت بأم عيني كيف يتم نهب موارد السودان عشرات الاطنان من الذهب تهرب عبر الحدود السودانية المصرية بواسطة مهربين محترفين يسلكون طرق وعرة لا أحد يعلمها غيرهم.
وتابع: أقول بكل ثقة ان 80% من الإنتاج التقليدي للذهب يتم تهريبه لخارج بواسطة المهربين.
ويشير عبد الله إلى وجود نشاط “مريب” لشركات روسية وصينية تعمل في الصحراء في التعدين يقول هؤلاء لايختلطون بالناس لديهم عالمهم الخاص لدرجة انه كانت تهبط عندهم طائرات وتغادر دون أن نعلم وجهتها وماذا تحمل ولكن في السنوات الاخيرة بعد الثورة لم نعد نشاهد هذه الطائرات .
يقول د. يوسف المدير السابق لهيئة الأبحاث الجيولوجية يقول المتابع لتاريخ شراء الذهب بواسطة البنك المركزي يلاحظ تراجع الكميات فمثلا البنك المركزي اشترى في العام 2012 إلى 44 طناً بواسطة شركاء من ضمنهم شركة شهامة وفي العام 2013 اشترى البنك 31 طناً بواسطة وكيله شركة اسمها (سبيكة) تتبع لجهاز الأمن وفي العام 2014 اشتري البنك 28 طناً، ما يعني تراجع الشراء سنوياً لان البنك معه شركاء والآن لم يحدد البنك كيفية الشراء هل ستكون بواسطة وكلاء أم طريقة (صاحبي وصاحبك).
وفي العام 2015 فتح بنك السودان مكتب في عمارة برج الذهب بالخرطوم وكان وكيلة شركة تتبع لمنظومة الصناعات الدفاعية وكذلك استمرت الشراكة مع الجنيد فقام البنك بشراء 27 طن وفي العام 2016 ظهر ما يسمى بآلية التسعير التي تضم الأمن الاقتصادي ووزارة المعادن وكان تقف وراءها (القطط السمان) التي تريد أن تأكل فاشتد التنافس وزاد التهريب فانخفضت مبيعات بنك السودان لـ 22 طن في العام 2016 وفي العام 2017 زادت معدلات تهريب الذهب عن طريق تشاد التي كانت تنقل الذهب السوداني المهرب بالطائرات.
وشرقاً انفتحت جبهة للتهريب وفي نهاية 2017 تم الغاء نظام الوكلاء بعد ان زادت معدلات التهريب وقلة مشتروات بنك السودان وفي العام 2018 ظهر جسم اتحاد المصدرين السودانيين ومارس هؤلا سياسة ضغط كبيرة علي الحكومة عن طريق الحزب الحاكم المحلول المؤتمر الوطني وبالفعل تم اتفاق بين اتحاد المصدرين وبنك السودان تم بموجبه منح المصدرين 200 كيلو كتجربة علي ان يعطوهم فرق سعر 500 جنيه للجرام بسعر الشيك ومارس اتحاد المصدرين في ذلك الوقت فساد كبير في ظل البيع بالشيك وصدر بنك السودان (١٨) طن فقط في العام ٢٠١٨ وتم تهريب معظم الإنتاج .
مخاوف البورصة
قطع د. يوسف بعدم قيام بورصة للذهب كما قال بنك السودان في السياسة الجديدة لسبب بسيط لأنها ستوقف عمل المهربين والقطط السمان الذين لن يقولوا صراحة إنهم ضدها ولكنهم سيسعون بشتى الطرق لعدم قيامها كما ظلت كذلك فهي جاهزة من حيث الدراسات منذ العام ٢٠١٦ لكن هناك جهات لا ترغب في قيامها.
رأي التجار
ووصف محمد إبراهيم تبيدي رئيس اللجنة التمهيدية للاتحاد العام للصاغة والمعدنيين قرار عودة بنك السودان لشراء الذهب والإعلان عن بورصة للذهب بالقرار الممتاز وقال لـ(التغيير) إن القرار خطوة في الاتجاه الصحيح ومن شأنه إيقاف شلال تهريب الذهب للخارج لجهة ان المعدن دائما يبحث عن أعلى سعر وهو ماسيتوفر في بورصة الذهب التي ستتعامل وفق الاسعار العالمية كما ستوفر البورصة احتياطات كافية من الذهب يمكن من خلالها تصدير الذهب للخارج وبالتالي جلب عائدات من العملات الصعبة للبلاد وتمكين الحكومة من شراء السلع الاساسية والخدمات للمواطن.
واوضح تبيدي أن مجمل سياسة بنك السودان الأخيرة بما فيها تعويم سعر الجنيه، وسياسية اعتماد فتح الاعتمادات للصادر بدلاً عن الاستيراد الشخصي كلها تصب في مصلحة الاقتصاد السوداني بصورة عامة وسوق الذهب بصورة خاصة لجهة أن الذهب دائما ما يرتبط بالدولار والعملات لذلك السياسات الجديدة ستوقف ايضا التلاعب الذي كان يقوم به أنصار النظام البائد في سوق الذهب والعملات.
وحول حجم كميات الذهب التي تصل سوق الذهب بالخرطوم من مناطق التعدين الأهلي قال تبيدي إن الأنباء تشير لإنتاج كبير لكن ما يصلنا في سوق الذهب يتراوح مابين 100 – 300 كيلو أسبوعياً في المتوسط، وأحياناً نزيد هذا الكمية واحياناً تنقص.
تأميم
تساءلت القانونية والمحامية تهاني عبد الوهاب لماذا لا يتم إصدار قرار فوري بتأميم (الشركات المشبوهة) العاملة في مجال التنقيب عن الذهب في السودان لمصلحة الشعب السودانى صاحب الحق الأصيل في أرضه جوها و باطنها وما تنتجه؟
مؤكدة ان الحكومة إذا أرادت ذلك فستفعل.
وتضيف لن يشفع لهذه الشركات الدفع بأي تعاقدات أبرمت مع النظام البائد إن كان قد سقط فعلاً لأن (الساقط لا يعود) ولن تبقى تصرفاته الرعناء مقيدة لشعب يعاني من الفقر.
وتابعت: من المؤلم جداً جداً أن يرى حقه ينهب ويهرب الذهب في العلن.
وتنوه تهاني إلى أن قيام لجنة ازالة التمكين يمثل رسالة واضحة لهذه الشركات بأن تصرفات النظام السابق هي محل مراجعة وإلغاء ومحاسبة.
وواصلت: نحن نملك ذهباً في أرضنا ولكن ببلاهة نحسد عليها تستطيع أي جهة أن تنقب وتعدن وتنقل بطائراتها الذهب الى حيث تشاء.
دول مستفيدة
تقول تهاني الدول التى تقوم بشراء الذهب الوارد من السودان بدون اجراءات رسمية عن طريق التهريب عبر مطار الخرطوم أو غيره من المنافذ تعلم علم اليقين أو في إمكانها أن تعلم أنها تستلم مال مهرب مسروق، وأن الشعب السودانى سيتمسك بحقه في رد عائد هذه الأملاك له مهما طال الزمن مع التعويض المجزي.