أخبارتقارير وتحقيقات

كيف أثرت «كورونا» على تقاليد الأفراح والأتراح في السودان؟

أدى انتشار جائحة «كورونا» لتغييرات كبيرة في السلوك الإجتماعي بكل العالم، ولم يكن السودان استثناءاً، لكن رغم القيود التي فرضتها الجائحة على عادات الأفراح والأتراح، إلا أن البعض حاول التحايل عليها، فكيف أثرت «كورونا» على هذه الأنماط الإجتماعية؟!

التغيير- الخرطوم: أمل محمد الحسن

اقتصر زواج الصحفي حسن بركية- الذي تم بعد ظهور جائحة «كورونا»-على «10» أشخاص فقط من أسرة العروسين، تشمل الشباب فقط، إلى جانب عدد قليل من الأصدقاء اجتمعوا في فيلا بحي «المنشية» لعمل جلسة تصوير مصغرة قبل زفافهما.

بركية وزوجته

وجاء حفل زواجهما في بدايات ظهور الموجة الأولى من جائحة «كورونا» في أبريل 2020م.

وقال بركية لـ«التغيير»، إنهما كانا يخططان قبل ظهور الجائحة لعمل زواج مبسط؛ لرفضهما للمظاهر البذخية التي تحدث في المناسبات الإجتماعية في السودان.

وأكد بركية عدم اعتراض أسرتيهما على مبدأ البساطة في الوقت الذي تعرضا فيه للانتقاد من بعض الأقارب دون أن يعيرا ذلك انتباهاً.

“بوكو حلال”.. الزواج في زمن «كورونا»

تقليل الصرف

لكن، لم يلتزم الجميع بحصر المناسبات الإجتماعية السعيدة في محيط ضيق- ضمن الاحترازات الرسمية لمجابهة «كورونا»- فبعد أن أصدر والي الخرطوم قراراً يمنع قيام المناسبات في صالات الأفراح؛ نقل البعض احتفالاتهم إلى المزارع، في تحدٍّ واضح لقرار الوالي، ولجائحة بيئتها المفضلة التجمعات.

«يجب أن يتوقف الناس حتى عن الزيارات الإجتماعية».

هذا ما قاله مدير مركز عزل مستشفى ابراهيم مالك أكرم نصر، الذي أكد زيادة الأعداد بصورة كبيرة في الموجة الثالثة، وقطع بعدم توفّر الإمكانات لمجابهتها.

فيما أكد الخبير الاقتصادي حسام الدين حسن عباس، أنه لا يمكن إنكار تقليل جائحة «كورونا»، في كثير من الأحيان تكاليف الأفراح بنسبة «100%».

وقال عباس لـ«التغيير»، إن «كورونا» أجبرت الناس على ترتيب أولويات الصرف، حيث بدأت الأموال تذهب إلى منافذ الصرف المستحقة من تجهيز منزل العروسين وترتيب حياتهما.

ووفق عباس يتم وصف مناسبات الأفراح المبسطة في زمن الجائحة بـ«بوكو حلال»- في تشبيه بينها وبين سيارات البوكو حرام التي تدخل من الحدود وبأسعار أقل- والاختلاف بينهما في عبارتي «حلال وحرام»، باعتبار أن صفة تقليل البذخ من الإيجابيات التي يدعو لها الدين الإسلامي- بحسب عباس.

خبيرة إجتماعية: تقليل الصرف البذخي يحتاج لقرارات شجاعة

قرارات شجاعة

ويحتاج فرض التغيير في تقاليد المناسبات إلى شجاعة مماثلة لشجاعة الصحفي حسن بركية وزوجته لمجابهة المجتمع؛ بحسب الباحثة الإجتماعية ثريا إبراهيم، والتي تؤكد أن البساطة في المناسبات يجب أن تكون هي السائدة.

ثريا إبراهيم

وقالت ثريا إن السودان يمر بظروف اقتصادية استثنائية؛ تتطلب تغيير أنماط الصرف البذخي على المناسبات.

وأشارت إلى أن هذه السلوكيات هي التي تجعل الشباب يحجم عن الزواج، ويضطر إلى الاغتراب لتوفير متطلبات الصورة النمطية للزواج.

التنافس بين الصديقات والأقارب، والمحاكاة في تطبيق تفاصيل إضافية وجديدة على طريقة إكمال المراسم، هي أحد الأسباب التي تزيد من صعوبة تخلص الناس من الصرف البذخي في المناسبات.

وأكدت ثريا أنها لا تعارض تطبيق العادات المرتبطة بـ«الجرتق» على سبيل المثال، باعتبار أنها تميزنا كشعب سوداني في الأفراح؛ إلا أنها تطالب بتقليل البذخ فيها وإكمالها بأقل التكاليف، وبما هو موجود ومتاح في المنازل.

توفير المال

واتفقت ثريا مع ما ذهب إليه الخبير الاقتصادي حسام الدين حسن عباس، وأكدت أن ذهاب المال إلى معاونة العروسين على بداية حياة زوجية بلا مصاعب مالية أهم من الغرق في تفاصيل المناسبات لدينا التي تبدأ بـ«قولة الخير»، و«فتح الخشم»، والخطوبة ثم مراسم الزواج من حنة وزفاف وتصوير خارجي «آوت دور»، إلى صالة وعشاء ثم تفاصيل «جرتق».

وأعربت إبراهيم عن اسفها لاضطرار بعض الأسر إلى بيع عقار أو سيارة لإتمام مناسبة زواج ابنة، أو ابن، في الوقت الذي يمكن أن توفر فيه هذه الأموال وتمنحهم عقاراً أو أموالاً تعينهم على إنشاء أسرة جديدة.

خبير استراتيجي: الجائحة وثورة ديسمبر من أسباب تسريع التغيير

محفِّز للتغيير

تحول التقليل من الصرف البذخي إلى ظاهرة أمر يتطلب مزيد من الوقت بحسب الخبير الإستراتيجي حسام الدين النصري، الذي يؤكد أن المصائب كما في حالة جائحة «كورونا»- يُمكن أن تمثّل محفزاً أو مسرعاً لعجلة التغيير في معظم الأحيان.

ويرى النصري أن «كورونا» إلى جانب ثورة ديسمبر مثلا عوامل مشتركة في تسريع ثقافة التغيير في أنماط احتفالاتنا الإجتماعية ونشرها أيضاً.

وقال النصري إن التقليل من الصرف البذخي لم يبدأ مع «كورونا» فقط؛ بدأ قبل ذلك، ووصف المبادرات التي تمت في هذا الجانب بـ«الخجولة».

وأكد أن تسريع الجائحة لعجلة التغيير يمكن أن يستمر حتى يصبح التبسيط في المناسبات هو السائد في المستقبل القريب.

خبير اقتصادي: قطاع الأعمال المرتبط بالمناسبات تضرر جداً بسبب الجائحة

تأثير على الأعمال

وبالطبع، أثرت الجائحة على اقتصاد العالم كله، وفق الخبير الاقتصادي حسام الدين حسن عباس، الذي استبعد أن يكون هناك أي نوع من الإغلاق مرة أخرى نسبة لعدم تحمّل الشرائح الضعيفة التي تعتمد في دخلها على العمل اليومي، للإغلاق.

وأثر التقليل من مظاهر الفرح على قطاع كبير من الأعمال التي كانت تعتمد على الأفراح، منهم الفنانين، وأصحاب الصالات، والفنادق والسياحة، وغيرهم.

ويقول عباس إن الجائحة أجبرت العديدين منهم على ترك مجالات أعمالهم والبحث عن بدائل.

“اللوم” سبب إصرار البعض على الذهاب للعزاءات

«ميتة وخراب ديار»

كان من المدهش لسكان حي الختمية بمدينة الخرطوم بحري غضب أسرة أحد المتوفين حديثاً، من أي شخص في الحي تأخر عن أداء واجب العزاء، أو ملازمة خيمته، على الرغم من تأكد وفاة والدهم متأثراً بمضاعفات «كورونا»!

وأكدت «أ» إحدى جارات الأسرة لـ«التغيير»، عدم قبول بنات المرحوم للعزاء منها لأنها حضرت إليهم بعد مرور فترة الحجر الصحي المقررة بأسبوعين.

ووصفت «أ» التصرف بغير المنطقي، وأكدت أن هذا الموقف لن يجبرها على تجاوز الإجراءات الصحية.

وقالت: «لا أخاف على نفسي فقط، لدينا جدة كبيرة في العمر لا يمكن أن أخاطر بحمل العدوى إليها».

حسام الدين عباس

وتصرّف السودانيين في الأتراح لا يقل عن الصرف البذخي في الأفراح، وهي ثقافة «المناطق الحارة» التي تميل للتطرف في الصفات- بحسب الخبير الاقتصادي عباس، والذي قال إنه عاصر المناسبات الحزينة في الثمانينات والتي كانت تستمر لـ«40» يوماً كاملة.

وأشار إلى أحاديث بيوت العزاء التي تتطرق إلى المسلسلات وكرة القدم، مع استمرار وجبات الطعام طوال اليوم ليطابق الواقع المثل الذي يقول: «ميتة وخراب ديار»!

واتفقت الباحثة الإجتماعية ثريا مع حسام حول تطابق المثل مع واقع استمرار العزاء لأيام يستقبل فيها أهل المتوفي الناس من داخل الحي والأهل من الولايات الأخرى، ويستمر من لحظة الوفاة ويمتد لأيام وربما أسابيع.

بعد «كورونا» التزم كثيرون بعبارة «ينتهي العزاء بانتهاء مراسم الدفن»، بحسب ثريا والتي أكدت أن الانصياع لهذا الأمر فيه حماية للنفس والمحيطين.

لكن، البعض يخاف «اللوم» وفقاً لثريا التي أكدت عدم توقف العديدين عن ارتياد بيوت الأتراح حتى بعد اشتداد الإصابات خلال الموجة الثالثة.

وطالبت ثريا بأن يلتزم الناس أثناء الجائحة وبعدها بأداء واجب العزاء والمغادرة فوراً، حتى لا يكون هناك ضغط على أهل المتوفى.

وأكدت أن الالتزام بهذا الأمر يمكن أن يُحدث تغييراً إجتماعياً إيجابياً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى