قطاع الخدمات تقصير أم تخريب؟
خالد فضل
يشهد قطاع الخدمات العامة في كل أنحاء البلاد ترديا غير مسبوق، الأمانة تقتضي الإقرار بأنّ بعض الخدمات شهدت استقرارا خلال سنوات حكم الإنقاذ المباد، وهذا ما يجعل عامة الناس يقارنون بين ما كان وما هو حادث الآن، ويمضي التحليل لدى كثير من الناس إلى الإتهام بالتقصير من جانب المسؤولين الحاليين عن هذه القطاعات الحيوية، مثل المياه، الكهرباء، المواصلات، الوقود، الغاز، الدواء….إلخ، ولا أعتقد أنّ هناك من يكابر وينكر التردي الحاصل فيها لدرجة العدم في بعض الخدمات، أهو حقا نتيجة للتقصير أم أنّ هناك مخطط واسع للتخريب؟
صحيح التركة الإنقاذية الفاسدة ثقيلة، وصحيح أنّ الإسلاميين يقعون بين متلازمتي (الفساد في السلطة، والتخريب خارجها)، هكذا يقول تاريخهم منذ ظهورهم في الحياة العامة، لم يبارحوا هاتين المنزلتين إلا من عصم. ولكن في تقديري، الأصح الزعم بأنّ التقصير هو الذي يجعل من التخريب نشطا لدرجة سيادته وهيمنته على محاولات الإصلاح، والتقصير ليس من جانب الحكومة وحدها، كل مواطن منّا يتحمل جانبا من وزر هذا التقصير والمسؤولية عنه، ولعل التجارب عديدة في هذا المجال، وإذا حاول كل مواطن جرد حساب شخصي لما فعل وما كان ينبغي عليه فعله لوجدنا مساهماتنا العامة في هذا التردي ظاهرة، فأصحاب المخابز جزء من المواطنيين، وسائقو مركبات المواصلات جزء، وأصحاب الصيدليات، و و و، ما الذي نقدمه كل في مجال عمله لتلافي الخلل؟ هناك حالة هلع وجشع مستشرية بصورة فظيعة، أبرز شواهدها الإختلاف الشاذ في الأسعار لنفس السلعة من محل لآخر بما في ذلك الدواء، بل حتى رسوم العمليات الجراحية في المستشفيات، هنالك حالة نفسية عامة متلبسة معظم الناس، هي حالة عدم اليقين، إذا وجدت اسطوانة غاز مثلا تقوم بشرائها بأي سعر لأنّك لا تضمن وجودها غدا، هذا سلوك يدل على الهلع والخوف من المستقبل، مثلما تجد الركاب في أي حافلة يخضعون مباشرة للسعر الذي يفرضه الكمسنجي في محطة المواصلات، كأنّما هذه آخر سيارة ستشرف المحطة، وعلى ذلك قس بقية الخدمات، فهل كل هذا يحدث من جانب الفلول، وهل معظم الشعب السوداني فلول على مستوى السلوك والممارسة!
أمّا التقصير الحكومي فلا يحتاج إلى كشاافات أو مجاهر لإدراكه، اتصل أحيانا على بعض الذين يشغلون وظائف في الحكم على مستوى المركز أو ولاية الجزيرة تحديدا، لا أجد عنهم ردا مقنعا بالنسبة لي حول معظم ما أطرحه أمامهم من مشاكل في بعض المجالات، كما هناك عيب ظاهر هو التقصير الإعلامي، الوسائط الرسمية فاشلة في قيادة الرأي العام نحو قبول التحدي لبناء الوطن، وطرح الحقائق عارية كما هي حول مشاكل انعدام وتردي الخدمات، كنت قد اقترحت في مناسبة سابقة على الزملاء في مكتب رئيس الوزراء أن يتم تقديم تقرير إعلامي يومي يمثل حصاد يوم العمل في مختلف المجالات، يجب عدم الإستهانة بأسعار البصل في كسلا أو وارد الفاصوليا في الشمالية أو توزيع الغاز في قرى سنار، مثلما لا يستهان بقطع الطرق في غرب دارفور، أو الحوارحول إعلان المبادئ بين الحكومة والحركة الشعبية / قيادة الحلو وبدء التفاوض، كلها قضايا مركزية ومترابطة، والكهرباء التي يقال إنّها ستكون مستقرة في رمضان على الأقل لماذا لم تستقر بعد؟ أهم الفلول والتخريب أم مشكلات فنية أم ماذا؟
الشعب السوداني على نقائص فينا، ننطوي على فضائل، كيف نعلي منها ونجعلها هي سيدة الفضاء العام، عندما أسمع أن محمة الكاملين قد نظرت قبل أيام في قضية شجار نشب بين قريتين على طريق مدني الخرطوم بسبب حبس أهل القرية الأولى للسيارات العابرة قرب موعد الإفطار، وبالتالي حرمان القرية التالية من أجر إفطار صائم، لا يدري المرء أيضحك طربا أم يأسى فرقا، فالأمر يحتوي على تناقض بائن، نفس هولاء المتشاجرين حول فضيلة إكرام الضيف، لا يتورع معظمهم من استغلال الآخرين في مضمار عمله إن كان تاجرا أو سائق سيارة أو صيدلي، كان الواحد منا يحمل في الداخل ضده على قول مظفر، فهلا نظرنا في أحوالنا برؤية عميقة شوية، وعوضا عن التسطيح المخل ما بين التخريب والتقصير نهضنا لنفعل معا ما يجب فعله، ساعتها سيتم لجم المخربين من جانب، وردع المقصرين من جانب آخر، ورمضان كريم.