كيف يتفاعل العقل الفكري والديني السوداني مع اتفاقية (سيداو)؟
فور إجازة مجلس الوزراء السوداني ، الأسبوع الماضي، على اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) متحفظا على 3 مواد منها، ثار جدل كثيف في أوساط الحقوقيين والمنتمين للأحزاب الإسلامية؛ يرفض الجانبان موقف الحكومة من الاتفاق.
التغيير: أمل محمد الحسن
الناشطون في مجال الحقوق يرفضون تحفظ الحكومة على بنود وصفوها بـ”الجوهرية”، والمنتمين لأحزاب يمينية يعترضون بشدة على مصادقة الحكومة عليها.
ودار في موقع التواصل الاجتماعي تويتر رفض تحت الوسم (سيداو لا تمثلني) تحدث فيه الرافضون عن أن إنهاء التمييز ضد المرأة لا يحتاج توقيعا على اتفاقيات “تصب” شعوب العالم المتعددة في قالب ثقافي واحد. وكتب أحد “المغردين” أن الولايات المتحدة نفسها ترفض تفعيل هذا الاتفاق.
"إنهأء كافة اشكال التمييز ضد المرأة" لا يحتاج توقيعا على معاهدات هدفها بالاساس صب شعوب العالم المتعددة في قالب ثقافي واحد وبالقوة.
بإمكاننا ضمان حقوق نسائنا بالتوافق مع الشريعة الاسلامية وقيمنا واعرافنا، ودون التورط في ضغوط وتعقيدات المعاهدات الدولية.#سيداو_لا_تمثلني— Mohamed Khalifa (@ABOMARWAN3) April 28, 2021
العجيب والغريب في الأمر أنا أمريكا نفسها وقعت على الوثيقه منذ عام 1979 لكن حتى الآن ترفض تفعيل هذه الاتفاقيه َوذلك لي نفس الأسباب التي يطالب بها البعض هنا
حتى مجلس الشيوخ الأمريكي يرا انها بها انحلال أخلاقي وهذه ليس كلامي ولا كلام مشايخ الإسلام#سيداو_لا_تمثلني
⬇️
— WaDnEsS🕊️ (@WaDnEsScom) April 28, 2021
ناهد محمد الحسن: المصادقة موطئ قدم لمزيد من الأرض
موطئ قدم
وصفت الناشطة النسوية، ناهد محمد الحسن، إجازة الحكومة للاتفاقية بـ”موطئ قدم لمزيد من الأرض”.
وقالت لـ(التغيير) “قبل الحديث عن تحفظ مجلس الوزراء على بعض البنود، يجب أن نعبر عن سعادتنا بانضمام السودان أخيرا لـ(189) دولة منضمة للاتفاقية.
وأكدت الحسن ، أن الاتفاقية تختلف عن الإعلان ، باعتبارها ملزمة للدولة بكتابة تقارير، مشيرة إلى أن الاتفاقية نفسها تسمح بالتحفظ على بعض المواد والرجوع عنه عبر آليات وإجراءات واضحة.
اختلف مع الحسن، الباحث والأكاديمي، النور حمد، والذي يقول إن موافقة الحكومة مع التحفظ على المواد (2، 16، و29) يجعلها بلا معنى ودون التزام حقيقي بجوهرها.
وأشار حمد إلى الفقرة (أ) من المادة (2) التي تقول: ” تجسيد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى، إذا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج فيها حتى الآن، وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ من خلال القانون والوسائل المناسبة الأخرى”، مؤكدا ان تحفظ الدولة عليها ينسف عمليا جوهر الاتفاقية.
النور حمد: التحفظ على مواد أساسية يبقي الاضطهاد التاريخي للنساء في محله
وأضاف لـ(التغيير) “التوقيع بالضرورة سيكون توقيعاً مظهريا يبقي على الاضطهاد التاريخي للنساء في محله”.
واتفقت الحسن مع حمد ، حول جوهرية المادة (2) المتحفظ عليها ، مشيرة إلى أنها تؤكد التزام الدولة بشكل حقيقي بالاتفاقية بصورة خاضعة للقياس.
وقالت إنه “بدون إرادة سياسية والتزام من الدولة تصبح الاتفاقية أمراً معلقا”.
إلا أن الحسن ، وعلى عكس حمد ، ترى أن المصادقة مع التحفظ أفضل من الانتظار لعشر سنوات قادمة لإقناع الحكومة بكل الاتفاقية ، الأمر الذي ترى فيه تأخيراً لتطور أوضاع الحقوق بالنسبة للنساء ، مؤكدة استمرار النضالات النسوية حتى رفع جميع التحفظات.
"إنهأء كافة اشكال التمييز ضد المرأة" لا يحتاج توقيعا على معاهدات هدفها بالاساس صب شعوب العالم المتعددة في قالب ثقافي واحد وبالقوة.
بإمكاننا ضمان حقوق نسائنا بالتوافق مع الشريعة الاسلامية وقيمنا واعرافنا، ودون التورط في ضغوط وتعقيدات المعاهدات الدولية.#سيداو_لا_تمثلني— Mohamed Khalifa (@ABOMARWAN3) April 28, 2021
جرائم ضد الطفلات
ورد في الفقرة (و) من البند (2) من الاتفاقية: “اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريع، لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات القائمة التي تشكِّل تمييزا ضد المرأة”.
وحول هذه المادة المتحفظ عليها يقول حمد ، إن هناك بعض الأعراف السائدة في بعض مناطق السودان تجيز زواج الطفلات ، مؤكداً ان تحفظ الحكومة السودانية على ضرورة تعديل هذه الأعراف وتنصلها عن إخضاعها لسلطة القانون؛ يعني الإبقاء على الاستغلال الجنسي البشع للطفلات والانتهاك الواضح لبراءتهن.
وأشار حمد إلى بقاء الطفلات بلا حماية قانونية من الخفاض الفرعوني لقرون حتى إجازة قانون تجريم عادة الختان مؤخرا ، مؤكداً تعثر تطبيق القانون لحوجته لدعامة من الوعي المجتمعي، وأضاف: “هذا ما نحن مقصون فيه غاية التقصير.
نمط غربي
ربط مجمع الفقه الإسلامي قبول الاتفاقية بحذف المواد التي تقضي بإبطال القوانين الخاصة بالأسرة والميراث بالنسبة للمسلمين لمعارضتها النصوص القطعية في القرآن والسنة من جهة، والاعتراف بالخصوصيات الحضارية والثقافية كما تقضي مواثيق حقوق الانسان الصادرة عن الامم المتحدة من جهة أخرى.
وعلق رئيس مجمع الفقه، عبد الرحيم آدم ، بأن فلسفة الحياة الغربية تقوم على الفردية وتتجاهل دور المجتمع وأعرافه وتقاليده ، مشيرا إلى مطالبتهم مجلس الوزراء الالتفات إلى هذا الأمر.
وأضاف: “مجلس الوزراء ضرب بتوصيتنا عرض الحائط”.
وأكد رئيس مجمع الفقه الاسلامي، لـ(التغيير) ، عدم قدرة الحكومة التحفظ على المادة (2) كما أعلنت ، مشيرا إلى أن نص المادة (28) فقرة (2) يشير إلى حظر التحفظ بما ينافي موضوع الاتفاقية.
وأكد آدم ، وقوفه ضد الاتفاق حتى في حال تم تمريرها من المجلس التشريعي مؤكدا تغيير الاتفاقية للنظام الاجتماعي السوداني برمته.
رئيس مجمع الفقه: مجلس الوزراء ضرب بتوصياتنا عرض الحائط
"إنهأء كافة اشكال التمييز ضد المرأة" لا يحتاج توقيعا على معاهدات هدفها بالاساس صب شعوب العالم المتعددة في قالب ثقافي واحد وبالقوة.
بإمكاننا ضمان حقوق نسائنا بالتوافق مع الشريعة الاسلامية وقيمنا واعرافنا، ودون التورط في ضغوط وتعقيدات المعاهدات الدولية.#سيداو_لا_تمثلني— Mohamed Khalifa (@ABOMARWAN3) April 28, 2021
رفض قاطع
الاتفاقية التي أعلن الرئيس السابق عمر البشير رغبته المصادقة عليها في العام 2018؛ وجدت نقدا حادا من أحزاب منشقة عن المؤتمر الوطني.
من جهة ثانية؛ كتب زعيم حزب الأمة الراحل الصادق المهدي – حزب يميني – في كتابه حول “سيداو” ، عدم وجود أي مادة في الاتفاقية تستوجب التحفظ عليها.
إلا أن نائب رئيس حزب الإصلاح الآن ، حسن رزق ، يؤكد عدم موافقتهم على مصادقة الحكومة على اتفاقية سيداو.
وبرر اعتراضه بوجود تعارض بين الاتفاقية مع نصوص صريحة في الكتاب والسنة، ضاربا أمثلة بتعدد الزوجات، والنسب للأم، و”المثلية”.
الا أن الباحث والأكاديمي النور حمد يقطع بعدم قبول الثقافة الإسلامية زواج المثليين، مع قبول مبدأ الحرية الشخصية، رافضا التقنين له ومنحهم الحق في تبني الأطفال.
وأضاف حمد: “حرية الضمير يكفلها الإسلام الذي ينهى عن التجسس والتحسس والنبش في الضمائر”.
إلا أن نائب رئيس حزب الإصلاح يرى أن الحكومة الانتقالية لا تملك حق المصادقة على سيداو.
وقال “أنا لا اثق في البرهان ولا حمدوك ولا حميدتي”، ولم انتخبهم، فكيف يصادقوا باسمي على مثل هذه الاتفاقية؟.
تطور الاجتهاد
الشريعة المتوارثة منذ القرن السابع الميلادي ليست هي كلمة الإسلام الأخيرة في شأن حقوق المرأة، وفق النور حمد، الذي يقول إنها تدريج للمجتمع لإخراجه من عقابيل التاريخ الاجتماعي الذي سادته صنوف مختلفة من الأنظمة العبودية، ليرقى المراقي نحو روح الدين، التي جوهرها العدل والمساواة.
ويضيف: “لو أننا كمسلمين عملنا على تجديد الخطاب الديني لما أزعجتنا الاتفاقيات الدولية” ، واصفا التحفظات على بنودها بالهروب إلى الماضي والتمترس فيه، لتجنب مواجهة تحديات الحاضر.
اتفق مع حمد رئيس مجمع الفقه حول نقطة تجديد الخطاب الديني، والتي شملها بيان المجمع حول سيداو، مؤكدا ضرورة العمل على ترقية الاجتهاد الفقهي وتجديده، خاصة بما يحفظ الأصول ويرعى العصور ويسدد الواقع ويقدر المصالح مادية ومعنوية وفردية وعامة بدقة وتوازن واستشراف للمآلات.
وبحسب حمد ، فإنه ما من شك أن التحولات الاجتماعية الكبرى لا ينجزها تعديل القوانين وحده. وإنما لابد من تقدم الوعي، الذي يمثل دعامة أساسية للانتقالات الاجتماعية الكبرى.
واتهم الأكاديمي الحكومة بالتصرف القوي الوصائي، مشيرا لعدم عرضها للاتفاقية للنقاش المجتمعي والاكتفاء بالموافقة مع ابداء تحفظات انصبت على جوهرها، مشيرا إلى غياب المجلس التشريعي عن المصادقة على الاتفاقية.
نبيل أديب التصديق على سيداو بواسطة المجلس التشريعي يكمل القبول ويجعل أحكامها قابلة للتطبيق في المحاكم كعمل تشريعي مكتمل
من جانبه ، يرى الخبير القانوني ، نبيل أديب ، إن التوقيع على الاتفاقية بتحفظاتها تعني قبول الدولة بشكل مبدئي لأحكام الاتفاقية غير المتحفظ عليها.
وقال أديب لـ (التغيير) ، إن التصديق على سيداو بواسطة المجلس التشريعي يكمل القبول ويجعل أحكامها قابلة للتطبيق في المحاكم كعمل تشريعي مكتمل.
ونبه أديب إلى ضرورة قيام الدولة بتعديلات في قوانينها منعا لأي تعارض بينها وأحكام الاتفاقية التي صادقت عليها.
واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة أو سيداو ، معاهدة دولية اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، وتصفها على أنها وثيقة الحقوق الدولية للنساء.
ووقعت على الاتفاقية أكثر من (189) دولة من بينهم أكثر من (5) دولة وافقت مع بعض التحفظات.
ووضعت الأمم المتحدة الاتفاقية المحتوية على 30 بند في قالب قانوني ملزم لتحقيق المساواة في الحقوق للمرأة في كل مكان.