أخبارأعمدة ومقالات

الرئيس الفرنسي «ماكرون» حين صَحَّ وحين أخطأ التقدير!

عيسى إبراهيم

ركن نقاش

عيسى إبراهيم

 

** في خطابه الضافي في مفتتح مؤتمر باريس (17 و18 مايو بالعاصمة الفرنسية باريس) للاستثمار في السودان ودعم الثورة واعفاء الديون تحدث ماكرون باستفاضة عالمة عن ثورات السودان الثلاث التي اقتلعت بقوة واقتدار منعدمة النظير أنظمة عسكرية باطشة ومقيتة في أكتوبر 64 وأبريل 85 وديسمبر 2018 / 2019 وتناول في خطابه قصائد الثورة وشاعريها من محمد المكي ابراهيم ومحمد مفناح الفيتوري ومغنيها العملاق المرحوم وردي “باسمك الشعب انتصر حائط السجن انكسر والحقول …قمحاً ووعداً وتمني”، و”اصبح الصبح فلا السِجْنُ ولا السَجْنُ ولا السجان باقي وادا الفجر جناحان يرفان عليك”، وكان ماكرون ينظر باعجاب للكنداكات الثائرات “صائدة البمبان”، وتلك التي أصبحت أيقونة الثورة بثوبها الابيض الكاسي والتي اتخذتها بعض ثائرات الغرب رمزا لهن، ونسجل هنا للرئيس الفرنسي ماكرون صحة تقديره لثورات السودان واحتفائه بها!..

استكمال جوانب الفترة الانتقالية:

** الفترة الانتقالية بحمولاتها ينتظرها الكثير؛ فقد حققت السلام شكلاً ولم تحققه واقعاً ملموسا، فما زال أصحاب الوجعة في معسكرات النزوح، وما زالت الدماء تنزف، وما زال الطريق شائكاً لالحاق البعض (مجموعة عبدالعزيز الحلو – جبال النوبة وقد تم توقيع اتفاق المبادئ، والمشاورات تجري، وكذلك مجموعة القائد عبدالواحد محمد نور – دارفور في طور التمهيد للقاء)، هذا من حيث السلام، ومن حيث الحريات فالتغييرات القانونية تترى لاقرار الحقوق والواجبات، ومن حيث العدالة حدث الاختراق الاخير باقالة رئيسة القضاء وقبول استقالة النائب العام، والبشائر تترى لحدوث انفراج حقيقي في جانب العدالة ليقتص الشعب السوداني من قاتليه، ولعل أحداث 29 رمضان الاخيرة وسقوط شهيدين وعدد من الجرحى وتسليم الجيش السوداني عدد 99 من منسوبيه لسلطات العدالة متهمين بارتكاب المجزرة الأخيرة، قد يفتح الباب لتحديد الجناة في فض الاعتصام الأول والذي راح ضحيته الألوف من خيرة شباب السودان وشاباته، ونحن الآن في انتظار نتائج التحقيقات الجارية لتحديد المسؤولية الجنائية، وننتظر أن تقدم لجنة القانوني نجيب أديب عبدالله نتائج تحقيقاته في فض الاعتصام الأول لتأخذ العدالة مجراها، كما أنه من الضروري أن تستكمل الجوانب التشريعية بتشكيل المجلس التشريعي الانتقالي ليقوم بدوره المنوط به والذي تأخر كثيراً عن الركب، كما ينبغي أن يتم تكوين مجلس القضاء العالي حيث من حقه – وفق الوثيقة الدستورية – أن يختار رئيس القضاء ونوابه، وتكوين المجلس الأعلى للنيابة الذي يختار النائب العام ومساعديه، ويتم تكوين المحكمة الدستورية، واجازة قانون المجلس الاعلى للنيابة، كما أننا بحاجة ملحة إلى احصاء سكاني دقيق موثوق به وتقسيم الدوائر الانتخابية بموضوعية وبلا تحيز انتخابي!!..

عجلة “ماكرون” على ماذا تستند؟:

* من جهته نادى “ماكرون” بضرورة انهاء الفترة الانتقالية بانتخابات ديمقراطية تنتج حكومة منتخبة شعبياً تكون هي صاحبة الحكم، ولعل ماكرون يعلم ومن خلال التقارير الاستخبارية التي ترد اليه مدى الاخطار المحدقة بالثورة السودانية من منتهزي الفرص من العسكريين وغيرهم من المقامرين وتقديرات ماكرون حين صحت عن الثورات الشعبية الثلاث أخفقت التقدير هنا فالثورة السودانية الديسمبرية تنتظرها تركة ثقيلة من حمولات الفترات المتطاولة للأنظمة العسكرية التي حكمت السودان فمن عجب أن أعوام ما بعد الاستقلال البالغة 64 عاماً حتى الآن احتل العسكر 53 عاماً منها حكماً عسكرياً صرفاً وحكماً عسكرياً مخلوطاً بأيدلوجيات يسارية وأيدلوجيات دينية، فستة أعوام عبود (من نوفمبر 58 إلى أكتوبر 64) والتي لم تكن انقلاباً عسكرياً وانما كانت تسليماً وتسلماً من قائد الحكومة عبدالله خليل للفريق ابراهيم عبود الذي قدر تمدد النفوذ المصري بعد طردهم من حلايب وتمهيد اللقيا بين أزهري (المعارضة الاتحادية) الذي كان بالقاهرة وشيخ علي عبدالرحمن (رئيس حزب الشعب الديمقراطي – الذي كان بالقاهرة ايضاً) المؤتلف مع حزب الأمة (عبدالله خليل) الذي قدَّر ان القاهرة جمعت بين خصميه (أزهري وشيخ علي) ليسقطا الحكومة الائتلافية وينشئان حكومة ائتلافية بين خصميه، وقد امتد نظام عبود ستة أعوام أنتهت بثورة أكتوبر 64، ثم جاء انقلاب نميري (25 مايو 69 – 6 أبريل 85) وهو خلطة يسارية عربية ماركسية جاءت على ارهاصات اجازة دستور اسلاموي في قراءته الأخيرة ليجمع – في آن – بين السلطة الزمانية والسلطة الروحية!، واستمر حكم النميري ستة عشر عاماً، وتلته فترة انتقالية عسكرية بقيادة “المرحوم” سوار الدهب لمدة عام، وثالثة الاسافي كانت فترة حكم الاسلامويين (عمر البشير “رئيساً” والترابي “حبيساً”) والتي استمرت لثلاثين عاماً أكلت أخضر السودان ويابسه وأزهقت الأرواح وفسدت وأفسدت حتى انتهت شكلاً في 11 أبريل 2019، بائتلاف بين عسكر المنظومة الأمنية للبشير (حدث تغيير دراماتيكي من ابنعوف – حاكم ليوم واحد – للبرهان، والتغيير يكتنفه الغموض حتى اللحظة) البرهان حميدتي كباشي، والمستمر حتى اللحظة في (خطوة واحدة اتنين مستحيل)، أما الفترات الانتقالية التي أعقبت الثورات الثلاثة (64 / 69)، و(ابريل 86 / يونيو 89)، وسبقتها الفترة الديمقراطية القصيرة (56 / نوفمبر 58) فهي فترات ديمقراطية شكلانية طائفية (One man one million vote) حيث التحكم العقائدي بـ “الريموت كونترول” باشارة من “سيدي”، فالمنوط يا أيها الرئيس ماكرون بالفترة الانتقالية أن تعمل لرفع الوعي الشعبي الانتخابي و”اليونيتامس” بقيادة فولكر ومجموعته تعمل لتهيئة المناخ لاجراء انتخابات نزيهة وواعية بالمخاطر المحدقة بالوطن، ولقد جاء في الاخبار أنه تم التمديد للمؤسسة الأممية لعام آخر تنجز فيه ما يتعلق بها من اصلاحات دستورية وعمل في بنية الوعي الشعبي لتأتي الثمار المطلوبة، وهاهو الاجماع الشعبي يتبلور وأيدي فلول النظام البائد تعمل على تشظي الكتلةالفاعلة التي أنهت وجود النظام العقائدي الباطش المباد، فهل تجدث المعجزة ويظهر الوعي؟، أم تعود “كريت” إلى بيت الطاعة الطائفي أو العسكريتاري؟!!..
eisay1947@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى