أعمدة ومقالات

من أجل استقلال القضاء فعلاً لا قولاً

معاذ زكريا المحامي

من أجل استقلال القضاء فعلاً لا قولاً
معاذ زكريا المحامي
حتى تكون هنالك ديمقراطية حقيقة في أي بلد، لابد أن يكون هنالك فصل (سلس) للسلطات الثلاثة في الدولة: (التشريعية، التنفيذية والقضائية)، ومبدأ فصل السلطات هو مبدأ قانوني-فلسفي، صاغه الفيلسوف والمحامي الفرنسي/ شارل مونتسكيو، في كتابه القيم (روح الشرائع). حيث طالب بأن تقف سلطات الدولة الثلاث على مسافة واحدة من بعضها البعض، دون أن تستقوي سلطة على أخرى، ونقتبس من كلام مونتسكيو الآتي: “إن الدولة التي تريد أن تحقق الحرية يجب أن تُسلم هذه السلطات إلى كيانات منفصلة ومستقلة عن بعضها البعض لمنع إنفراد جهة واحدة بالسلطة والنفوذ”.
مؤسسة القضاء واحدة من المؤسسات العريقة في البلاد، لذلك لابد لها من أن تكون مستقلة سياسياً، ومادياً، وإدارياً، عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولا يتحقق هذا الإستقلال – من وجهة نظري – مالم تنأى السلطة التنفيذية عن عملية إختيار أو إقالة رئيس القضاء.
نكتب هذا الكلام وبين إيدينا قرار مجلس السيادة الصادر بتاريخ السابع عشر من الشهر الجاري، والقاضي بإعفاء مولانا/ نعمات عبدالله محمد خير، من منصبها كرئيس للسلطة القضائية، وقبول إستقالة النائب العام مولانا/ تاج السر الحبر.
يعتبر القرار خرق صريح للوثيقة الدستورية لعام 2019م (المعدلة)، كما أنه يهدم مبدأ استقلال القضاء والفصل بين السلطات.
وكان الأستاذ/ محمد الفكي سليمان، الناطق الرسمي بإسم مجلس السيادة، قد ذكر في بيان إنه: “وفقاً لإختصاصات مجلس السيادة الواردة في الفصل الرابع من الوثيقة الدستورية، فإن المجلس يعتمد تعيين رئيس القضاء، وقضاة المحكمة العليا، ورئيس المحكمة الدستورية، بعد ترشيحهم بواسطة مجلس القضاء العالي. وأبان أنه لحين تشكيل مجلس القضاء العالي، يعين مجلس السيادة الإنتقالي رئيس القضاء”.
ونرد على تصريح السيد/ محمد الفكي، بالآتي:-
أولاً: الفصل الرابع من الوثيقة الدستورية تحدث عن اعتماد تعيين رئيس القضاء، والذي يتم تعيينه بواسطة ما يسمى (مجلس القضاء العالي)، والذي – للأسف الشديد – لم يتم تشكيله حتى الآن، ولكن الوثيقة الدستورية لم تتحدث مطلقاً عن إقالة رئيس القضاء بواسطة مجلس السيادة، فمن أين جاء المجلس بهذه السلطة؟ وبأي حق يملك المجلس وهو جهة “تنفيذية” حق إقالة رأس السلطة القضائية؟.
ثانياً: إذا كانت الوثيقة الدستورية قد تحدثت عن ما أسمته مجلس القضاء العالي، أليس من الأسلم والأوفق أن يسارع شركاء الفترة الإنتقالية في التشاور والتفاكر حول تكوين هذه المجلس وعضويته، حتى يضطلع بدوره المرتجى منه، بدل هذا الوضع القانوني الشائه.
فلا يعقل أننا بعد عامين من الثورة، وإقرار الوثيقة الدستورية، تجابه البلاد بوضع كهذا، حيث لا رئيس للقضاء، ولا نائب عام، ولا محكمة دستورية قائمة، وفي غياب تام للمجلس التشريعي، الذي لم يتم إختيار أعضاؤه حتى الآن، فكيف بربكم يستقيم الظل والعود أعوج!.
ثالثاً: نصت الوثيقة الدستورية على أن السودان جمهورية “ديمقراطية”، لذلك فإن مبدأ استقلال القضاء مبدأ لا غنى عنه ولا مناص، بإعتباره الضمانة الحقيقية لتعزيز ديمقراطيتنا الوليدة، وهو ما أكدت عليه الوثيقة الدستورية عندما نصت على الآتي: “تحكم جمهورية السودان خلال الفترة الإنتقالية من خلال مؤسسات حكم قائمة على سيادة حكم القانون والفصل بين السلطات”.
غير ذلك لن يكون باستطاعة المؤسسة القضائية في السودان الإضطلاع بدورها المنوط بها في حفظ الحقوق وحراسة محراب العدالة المقدس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى