«التغيير» ترصد يوميات جرائم معلنة بالعاصمة السودانية وغياب للشرطة
كيف ساهم تهاون الشرطة في تحويل الخرطوم إلى مسرح للجريمة؟
لم يكن مجتبى 25 عاماً، يتوقع أن تنتهي حياته بهذه البساطة، على شاطئ النيل الأبيض بمنطقة ود العقلي، جنوب الخرطوم.
الخرطوم: علاء الدين موسى – عبد الله برير
فبعد يوم عمل شاق، من العمل في سوق الكلاكلة اللفة، شعر بالتعب يتسلل إلى جسده النحيل، فقرر الذهاب للاستحمام في النيل كعادة الكثير من السودانيين.
وصل مجتبى إلى النهر، وقبل أن يبدأ الغطس فيه، عقب الاستعداد بملابس السباحة، وضع ملابسه وحاجياته الأخرى، على حافة المياه، كما اعتاد على ذلك.
لكن في تلك الأثناء، ظهر شباب جلهم في العقد الثالث، أخذوا ملابسه وهاتفه وذهبوا وسط مرأى ومسمع الجميع.
ركض مجتبى وراءهم طلباً لملابسه، بعدما أعلن تسامحه مع سرقة أمواله وهاتفه، حتى يحافظ على حياته، إذ كانوا يحملون سكيناً.
غير أن اللصوص رفضوا عرضه، وعندما تشاجر معهم بادر أحدهم بغرس “السكين” في صدره وقع على أثرها مغشياً عليه ولم يتم إنقاذه من الطعنة القاتلة، بينما فر اللصوص في وضح النهار، دون أن يعترض طريقهم أحد. ليتم تدوين بلاغ مقتله ضد مجهول.
بلاغات كيدية
مجتبى لم يكن الضحية الوحيد لانعدام الأمن بالخرطوم، في بلد أصبح يعيش حالة من الانفلات الأمني، من دون حماية حقيقة من الشرطة.
يقول الصحافي بصحيفة التيار، حافظ هارون، إنه للضرب والحبس من قبل الشرطة، عقب ذهابه لتدوين بلاغ في مواجهة أحد اللصوص تسلل لداخل منزله.
ويضيف هارون لـ(التغيير)، إن الحادصة وقعت من قبل قوة شرطية، داخل قسم بحري المدينة، شمالي العاصمة الخرطوم.
وأوضح هارون، أنه عقب عودته للمنزل مساء الأربعاء الماضي، فوجئ بأحد اللصوص يتسلل لداخل المنزل وقام بمعاونة آخرين بمحاصرته وإلقاء القبض عليه.
ويتابع “ذهبنا به إلى قسم بحري المدينة لتدوين بلاغ في مواجهته، إلا أننا فوجئنا بالرفض القاطع لتدوين البلاغ واستلام اللص، ما دعاني للحديث معهم، وقلت لهم بأن واجبهم استلامه وتدوين بلاغ في مواجهته”.
ومضى قائلاً “اثناء حديثي معهم، إذا بالضابط المناوب القسم في المناوب برتبة ملازم أول خرج من مكتبه ليحتد معي في النقاش ويعتدي على بالضرب أمام أفراد القوة وعدد من مرافقيه ويوجه بتدوين بلاغات في مواجهتي”.
وأشار هارون إلى حبسه في القسم منذ يوم الأربعاء، وتدوين أربعة بلاغات في مواجهته بينها بلاغ تحت المادة (99) و المادة (103) من القانون الجنائي، منوها إلى أنه أفرج عنه بالضمان العادي عقب تدخل إدارة صحيفته التي تصدر بالخرطوم.
وبحسب هارون، فإن رئيس القسم حضر الخميس عقب علمه بالواقعة، وطلب منه عدم نشر تفاصيل الحادثة، مقابل إيقاف البلاغات المدونة في مواجهته.
في وقت تم تأجيل محاكمته الصحفي إلى الثاني من يونيو المقبل، نسبة لغياب الشاكي في البلاغ.
سيولة أمنية
من جانبه، كشف الصحافي أحمد خليل، عن تعرضه لأكثر محاولة اختطاف لهاتفه آخرها يوم الأربعاء.
وأرجع خليل ظاهرة الخطف والسرقات وسط الخرطوم عبر “المواتر”، نتيجة السيولة الأمنية.
وحمّل خليل في حديث لـ”التغيير”، الأجهزة الأمنية والشرطية، انتشار الظاهرة التي أقلقت المواطنين في ولاية الخرطوم.
وقال إن المواطن السوداني أصبح غير آمن على نفسه و ممتلكاته.
وتساءل خليل عن أسباب تهاون الشرطة أمام ظاهرة الدراجات النارية التي لا تحمل لوحات، مطالباً إياها بأن تقوم بواجبها حيال هذه القضايا بزيادة جرعات التوعية بالظاهرة.
وفي السياق، أعلن الصحافي عزمي عبد الرازق في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، عن تعرضه محاولة نهب بالقرب من حديقة القرشي بالخرطوم، فقد على فثرها هاتفه الجوال وقال “لولا العناية الإلهية لفقدت روحه”.
تهشيم زجاج السيارات
وقبالة برج الاتصالات بشارع النيل بالخرطوم، رصدت “التغيير” حوادث تهشيم متكررة لزجاج السيارات.
وقال ولاء الدين محمد عبد الغني لـ” التغيير”، وهو صاحب مقهى بشارع النيل، إن النهب وتهشيم زجاج السيارات تكرر بصورة مزعجة.
وأضاف “شخصيا تعرضت لحادثين مع سيارتين مختلفتين، لحسن الحظ لم يكن داخل السيارتين أي ممتلكات ثمينة”.
وتابع “زبائن المحل يشكون من تهشيم زجاج سياراتهم أيضا، هذا العمل تقوم به عصابات منظمة وشرطة التامين تتفرج”.
وكشف عبد الغني، عن انهم قاموا بفتح بلاغات جنائية من دون أي فائدة، نظرا لتكرر حالات النهب والسرقة.
وبمنطقة “الأزهري” جنوب الخرطوم، رصدت “التغيير ” كثرة حالات النهب الخاطف بالدراجات النارية.
ويشكو المواطنون من سرقة هواتفهم النقالة بوساطة عصابات وأفراد يمتطون “مواتر” وينهبون الممتلكات في الشارع العام.
وشاهدت “التغيير” مطاردة بين دراجتين ناريتين “موترين” قرب منطقة دلالة الازهري.
تعطل الموتر الثاني، دفع محرر (التغيير) لسؤال سائقه عن السبب في مطاردة الموتر الأول. حيث قال إن سبب المطاردة أن صاحب الدراجة النارية نهب حقيبة سيدة في الطريق العام.
وتشتهر منطقة جنوب الخرطوم بحوادث النهب والخطف بالمواتر و ووجود عصابات يزداد نشاطها في الساعات المتأخرة من الليل.
حالة السيولة الأمنية، دفعت العديد من المواطنين إلى خيار ترخيص السلاح للدفاع عن النفس.
وكشف أحمد حسن وني لـ(التغيير)، وهو من مواطني منطقة عد حسين جنوب الخرطوم، عن ضرورة امتلاك سلاح خاص.
ويعمل وني في ورشة سيارات، في السوق المحلي، وهي منطقة تعج بالمشردين.
وقال وني “بعد أن يغادر عمال الورشة كثيرا ما يأتي مشردون بـسواطير (أسلحة بيضاء) ويجوبون المنطقة”.
وأضاف “إذا كنت بمفردك، فإن هؤلاء يقومون بمهاجمتك ونهب المحل، ولكن لحسن الحظ بقية المحال والورش تكون مفتوحة وأصحابها موجودون”.
وتابع “في الطريق للمنزل من السوق المحلي إلى عد حسين أعبر بـ”شارع الهواء” وهي منطقة خطرة وتكثر بها حوادث النهب والاعتداء.
وأوضح انه تقدم بطلب لترخيص سلاح لحماية نفسه وعماله وأسرته، وأن إجراءات الترخيص كانت تتم بصورة جيدة.
أشار إلى أنه أجرى كشفاً طبياً وجنائياً، وأن السلطات رتبت لي زيارة للمنطقة التي أسكن فيها لمعرفة ما إذا كان لي عداوات أو نشاط مشبوه، بالإضافة إلى حاجتهم لمعرفة الوضع الأمني في المنطقة، ولكن تم تجميد الإجراءات بسبب جائحة كورونا.
وأكد أنه في ظل الظروف الأمنية المعقدة ليس لدينا حل سوى حمل السلاح الأبيض “سكين و عكاز” لحماية أنفسنا.
وفي منطقة الأزهري مربع ( 33 ) تعرض ترزي بشارع جامعة الرازي إلى ضرب بالسواطير ونهب للمحل.
وتعود تفاصيل الحادثة، إلى أن سيدة حضرت للترزي وسلمته أسطوانة غاز طلبت منه أن يحتفظ بها ريثما يقوم أفراد لجان التغيير والخدمات بفتح المحل المجاور مساء.
وفي منتصف النهار، حضرت عصابة وقامت بضرب (صلاح) واعتدت عليه بالسواطير ونهبت أسطوانة الغاز ومقتنيات المحل.
من جانبه، قال المواطن محمد وقيع الله، إن منطقة الأزهري – شارع الدلالة غير آمنة.
وأضاف “تعرض منزلنا لسرقة ثلاثة موتورات مياه على فترات متباعدة وحينما ذهبت لشرطة الازهري لفتح بلاغ قيل لي إن هذا الأمر ليس من اختصاصنا.
وأشار وقيع الله، إلى العديد من الحوادث التي وقعت قرب منزلهم، منبها إلى تعرض طالب بالكلية الحربية إلى هجوم بالسواطير أيضا.
وكان الطالب الحربي عائدا إلى منزله الساعة الحادية عشرة ليلا قبل أن تهجم عليه قوة مسلحة بالسواطير وتضربه في رأسه، غير أن استغاثته جعلهم يهربون قبل حضور الجيران.
وكشف وقيع الله إلى انه وطيلة سكنه بالأزهري لم ير أي سيارة شرطة او دورية تفقدية لفترة امتدت إلى ثلاث سنوات.
وشدد قائلاً ” طالما ان الشرطة لا توفر لي الحماية سأقوم بطلب لترخيص سلاح لأؤمن الحماية لنفسي”.