كيف يمكن للسودان «توظيف» مؤتمر باريس لإعادة بناء اقتصاده المحطم
تعهدات ووعود كبيرة، كشف عنها مؤتمر باريس لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان، والذي عقد بالجمهورية الفرنسية، يومي السابع والثامن عشر من مايو الحالي، بمشاركة رئيسي مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، عبد الفتاح البرهان وعبد الله حمدوك.
التغيير: الفاضل إبراهيم
وقدم السودان، في المؤتمر، وسط حضور دولي وإقليمي كبير، العديد من المشروعات التنموية الجاهزة للاستثمار (“18” مشروعاً)، تركزت بشكل أساسي علي مجالات الطرق والجسور والنقل، بجانب الكهرباء والاتصالات والزراعة.
ودفعت التعهدات بإعفاء الديون والاستثمار في المجالات المختلفة، البعض للتساؤل حول جدية الدول المانحة والصناديق الدولية في الإيفاء بتعهداتها تجاه السودان، بجانب الشروط المطلوبة من الحكومة السودانية لتهيئة البيئة الداخلية للاستفادة من مخرجات مؤتمر باريس.
تفاؤل
يقول وزير الاستثمار، الهادي محمد إبراهيم، لـ(التغيير) إنه انه متفائل جدا بمخرجات مؤتمر باريس، لجهة أن الدعم الدولي والإقليمي الذي حظي به السودان، لم يجده منذ الاستقلال.
وبدا إبراهميم واثقاً من أسباب تفاؤله، عقب الاتصالات التي قال إنها أجريت مع العديد من الدول التي لم يحضر بعضها مؤتمر باريس.
ويضيف “ناقشنا مع المستثمرين الفرنسيين فرص الاستثمار في عدد من القطاعات الرئيسية مثل النقل والاتصالات بجانب, والثروة الحيوانية والمعادن”.
وتابع الوزير “حقيقة كان هنالك تجاوب، والنقاش كان جاداً ونأمل أن تتم استثمارات في الجوانب المطروحة، خاصة في مجايل الطاقة والاتصالات، هنالك شركات أبدت رغبتها في الدخول لهذه المجالات، بالاضافة للتعدين والزراعة ووقعنا مذكرات الآن قيد الدراسة”.
قضية الديون
“المخرجات كانت جيدة جداً في الجلسة الثانية المتعلقة بموضوع الديون ومحاولة إدماج السودان في المجتمع الدولي الديون ومتأخرات الديون الخاصة بالبنك الدولي”، يوضح الوزير.
ويكمل “الدول العربية، خاصة مصر والسعودية والإمارات، أكدت وقوفها مع السودان في هذه الفترة الحرجة، لكن إعفاء الديون يمر بمراحل زمنية. المرحلة الأولى، هي نقطة اتخاذ القرار نحن قدمنا إصلاحات توحيد سعر الصرف رفع الدعم ضمن مطلوبات صندوق النقد الدولي، حيث اكملنا هذه المطلوبات واصبح السودان مؤهلاً لتلقي المساعدات”.
ويمضي قائلاً “المرحلة الثانية، الحوار بين السودان والدائنين في يونيو المقبل، ونتوقع ان يتم إعفاء جزء كبير من هذه الديون في الشهر المقبل. بمجرد إلغاء الديون، صندوق النقد أعلن أن هناك “50” مليار موجودة ضمن اموال الصندوق يمكن للسودان ان يأخذ نصيب منها”.
أما فيما يتعلق بالدعم المباشر، يقول وزير الاستثمار، استفدنا من قرض تجسيري قدمته فرنسا لتغطية كافة متأخرات الصندوق الأفريقي، كذلك إلغاء مباشر من بريطانيا ةاسبانيا لكوسمبرج للديون، حيث التزمت بريطانيا بتغطية متأخرات بنك التنمية الافريقي والذي بدوره قدم تمويلاً في حدود 700 مليون دولار لقطاع الطاقة.
إعفاء الديون عملية معقدة
ويشير المحلل الاقتصادي، هيثم فتحي، إلى أن مؤتمر باريس، جاء بعدما استوفى السودان كل متطلبات المؤسسات المالية الدولية بإجراء إصلاحات هيكلية وقانونية، تمثلت في رفع الدعم وتوحيد سعر الصرف وترشيد الإنفاق الحكومي، بصفتها شروطاً لازمة التنفيذ لوضع أسس جديدة للتعاون مع المجتمع الدولي، وذلك على الرغم من التبعات الكبيرة لهذه الإجراءات على الأوضاع المعيشية في البلاد.
ورأى فتحي في حديث لـ(التغيير)، أن عملية إعفاء الديون تحتاج إلى مجهودات كبيرة، علاوة على جائحة كورونا التي أثرت على كل العالم. لذا فالدول المطلوب منها التنازل عن الديون، علاوة على مطالبتها بدعم الاقتصاد السوداني، هي نفسها اليوم مدينة بمليارات الدولارات وتعاني من أزمات.
ويقول “حتي الآن هناك وعود من الدائنين، وأبرزهم دول “نادي باريس” (أميركا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا) بإعفاء أو تخفيف المديونية، في إطار مبادرة (هيبك)”.
ويضيف “وهو الأمر الذي يمكن السودان من الوصول للتمويل والمساعدات الضرورية من خلال الحصول على القروض الميسرة من مختلف المؤسسات والصناديق المالية الدولية بما فيها صندوق النقد الدولي والبنك والدولي، بجانب بنك التنمية الأفريقي”.
إصلاحات
وحول الإصلاحات المطلوبة يقول ” نجد أن الحكومة السودانية، أجازت قانون الاستثمار والقانون المشترك بين القطاعين العام والخاص، كما كوّنت مفوضية لمكافحة الفساد، لمزيد من الشفافية”.
ويتابع فتحي “لكن من المهم تحقيق الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وهذا مرهون بنجاح الحكومة الانتقالية في التخلص من ثقل الديون الخارجية، وجذب شراكات اقتصادية كبرى للنهوض بالقطاعات الإنتاجية والخدمية في البلاد، بهدف الخروج من الأزمة الاقتصادية المستفحلة”.
وشدد فتحي على ضرورة انعكاس نتائج مؤتمر باريس على الواقع الاقتصادي للبلد وعلى حياة المواطن العادي ولو عبر مؤشرات تؤدي إلى تحسين الأوضاع الحياتية والاقتصادية على المديين المتوسط والبعيد.
صعوبة السداد
من جانبه، يقول المحلل الاقتصادي، حمدي حسن أحمد، إن الجانب الأهم في مؤتمر باريس، هو إعفاء الديون و هو بمثابة إلقاء الحجر على البِركة الساكنة.
ويضيف “هي قضية في غاية الأهمية، وكما توقع الجميع، أن يتم إعفاء ما لا يقل عن 40 مليار دولار من أصل ما يقارب 60 مليار دولار، وهي الفوائد والغرامات التي نتجت عن عدم السداد ليتبقى ما يقارب 20 مليار دولار هي أصل الديون”.
جدولة الديون
ويشير حمدي في حديث لـ(التغيير)، إلى أنه من أجل إكمال عملية إعفاء الفوائد، من المفترض أن يتم طلب خطة لسداد أصل الدين كما هو متعارف عليه في مؤسسات التمويل.
يوضح أن السؤال هو؛ كيف يمكننا سداد 20 مليار دولار؟،ةإذا تم قبول جدولتها لعشرة أعوام دون فوائد يكون المطلوب سنوياً سداد 2 مليار دولار، فكيف يمكن الإلتزام بها.
ويتابع ” لأنه وفق الموازنة الحالية، يوجد عجز عن الوفاء حتى بالخدمات الأساسية للمواطن، ناهيك عن وجود فائض لسداد الديون وكامل إيرادات موازنة 2021، بعد تحرير سعر الصرف فقط 2.5 مليار دولار، وعليه لا بد من العصف الذهني والتفكير خارج الصندوق”.
حلول
ويضيف حمدي ” حتى لا يتم ترحيل هذه الديون لأحفادنا مثلما تم ترحيلها لنا منذ السبعينيات، أرى أنه يمكن استغلال نفس الديون لجذب الاستثمار، كمثال منح مربعات لتعدين الذهب للدائنين، على أن يكون الإنتاج مناصفة بين الحكومة و المستثمر، ولكن أن يذهب نصيب الحكومة لسداد الديون وأن تبدأ في استلامه بعد اكتمال السداد ونفس النظام كمثال للبترول كما يمكن منح أراضي زراعية بنظام الإيجار السنوي على حساب الديون وفق رؤية مدروسة”.
طريقة الاستثمار
بخصوص جانب الإستثمار، فإن مشاريع البنى التحتية تعتبر مشاريع خدمية مثل الطرق و الجسور والمدارس والمستشفيات والصرف الصحي و غيرها وبالرغم من أن نظام (BOT)، يوضح جمدي.
ويمضي قائلاً “أي نظام تشييد المشاريع وتشغيلها لصالح المستثمر لفترة محددة ثم تسليمها للحكومة يُعَدُ من أنظمة التمويل العالمية الممتازة”.
“هنالك مشاريع مثل مشاريع الكهرباء التي تم عرضها، نعم يمكن أن تكون بنظام (BOT) حيث أنَّ لها عائدات لا بأس بها ولكن ينبغي العلم أنَّ المستثمر سوف يقوم يومياً بتحويل هذه العائدات للخارج لصالحة بالعملات الأجنبية”، يقول.
ويكمل “لذلك ينبغي التحوط لهذا حتى لا نتحدث عنها لاحقاً بمثلما نتحدث عن بعض الشركات حالياً بأنَّها تستنزف العملات الأجنبية وتؤثر على قيمة العملة الوطنية. كما ينبغي الانتباه إلى أنَّ خدماتها سوف تكون بأسعار عالية حتى تواكب ارتفاع سعر الصرف للعملات الأجنبية”.