أخباراقتصادتقارير وتحقيقات

السودان: رفع الدعم يضع حكومة الانتقال في مواجهة جديدة مع الشارع

قوبل قرار رفع الدعم عن المحروقات بالسودان، بموجة من الانتقادات وردود الفعل الغاضبة على مستوى المواطن العادي أو حتى من بعض مكونات الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية والخبراء، وتوقع كثيرون أن يضع القرار حكومة الانتقال في مواجهة جديدة مع الشارع الثائر وربما مع قوى سياسية مؤثرة.

التغيير- الفاضل إبراهيم

مما لا شك فيه أن قرارات الحكومة الانتقالية في السودان، بالرفع الكامل للدعم عن المحروقات، والتي أعلنت الأربعاء، سيكون لها انعكاسات سالبة على معيشة المواطنين وربما يكون لها تبعات سياسية أيضا.

ودمغ البعض مبررات الحكومة بغير المقنعة، وأنه كان يمكن تفاديها بإجراءات اقتصادية مختلفة، فيما يرى متابعون أنها السبيل الوحيد للإصلاح الاقتصادي، وما بين هذا وذاك يبقي الاختبار الحقيقي هو قدرة المواطن على تحمل هذه الاجراءات.

استفزاز سياسي

ووصف الخبير الاقتصادي، القيادي بقوى الحرية والتغيير البروفيسور محمد شيخون، اصرار حكومة الفترة الانتقالية على الاستمرار في سياسة التحرير الاقتصادي بالأمر المستفز والصادم في آن واحد، للمواطنين الذين كانوا ينتظرون مكافأة على صبرهم وتضحياتهم من أجل تغيير نظام الإنقاذ، ولكنهم للاسف أحبطوا بحكومة تطبق ذات سياسات العهد البائد.

البروف محمد شيخون

وقال شيخون لـ«التغيير»، إن كل ما ذكره وزير المالية في المؤتمر الصحفي من مبررات مكررة ومحفوظة منذ العهد البائد حتى أن الوزير استخدم ذات العبارات التي كان يستخدمها وزراء الحكومة المبادة في فترتهم الأولى قبل المفاصلة بين الإسلاميين.

وتوقع ألّا تمر هذه القرارات مرور الكرام على المستوى السياسي لأن تكلفتها ستكون باهظة الثمن ولن يستطيع المواطن تحملها خاصة وأن هنالك قرارات أخرى في الطريق بتحرير الخبز والكهرباء والدواء والغاز، بجانب تحرير سعر الدولار الجمركي.

روشتة البنك الدولي

وأكد شيخون ان قرارات التحرير الكامل لأسعار المحروقات ليست نابعة من رؤية اقتصادية ووطنية بل هي تنفيذ لروشتة الدائنين في المجتمع الدولي.

ورأى أن الحكومة تريد أن تثبت للدائنين انها تسير في طريق التحرير الاقتصادي، وقال: «وفقاً لهذه السياسة سنظل نلهث خلف الدولار في السوق الأسود وبذلك تكون الحكومة قدمت خدمة كبيرة للقطاع الطفيلي من تجار السوق الاسود».

خداع سياسي

وأوضح شيخون أن سياسة التحرير الاقتصادي سترفع من أسعار الدولار وتؤثر أيضا على مديونية السودان الخارجية التي يمكن أن تتضاعف عشر مرات نتيجة لتراجع قيمة الجنية السوداني أمام العملات الأجنبية.

وأضاف: «للأسف قرارات الحكومة تخدم مصالح المجتمع الدولي والقطاع الخاص المتحكم في الدولار، هذه القرارات ستمسح أرضية الاقتصاد السوداني تماماً».

وأشار إلى أن وعود وزير المالية بالاستفادة من أموال رفع الدعم في المشاريع الخدمية حديث للاستهلاك السياسي، والدليل على ذلك أن الحكومة في كافة مراحل تدرج رفع الدعم لم توظف أي أموال للصحة والتعليم والمياه، وستذهب هذه الأموال للجهات الغير منتجة.

وقال: «الحقيقة أن ميزانية الصحة والزراعة والبنى التحتية لا تصل 8% في الميزانية».

وذكر أن «30%» من إيرادات الموازنة البالغة «928» مليار تأتي من الضريبة على المحروقات بواقع «300» مليار جنيه.

وأضاف: «الحكومة تخدع الشعب حتى عندما قالت إنها حررت سعر الدولار لم تطبق تحريراً كاملاً».

وتابع: «هل الإجراءات التي يقوم بها بنك السودان فيما يخص العملة الأجنبية تعبر عن سياسة سعر الصرف المرن المدار؟، بالتأكيد الاجابة لا».

وزاد: «في اعتقادي الحكومة إذا كانت جادة في تثبيت سعر الصرف عليها أن تطبق قرار بنك السودان بالسيطرة على صادر الذهب».

تشكيك

واستغرب شيخون لحديث وزير المالية عن إمكانية تأثير الشركات الحكومية على أسعار المحروقات لجهة أنها تمتلك نصف عدد الشركات العاملة.

وأكد أن السوق سيشتعل وستتحكم الشركات الخاصة في اسعار المحروقات.

وقال: «أسلوب الخداع الحكومي مستمر، إنتاج السودان من البنزين يغطي نسبة جيدة من الاستهلاك ولكن الحكومة تبيعه للمواطن بالسعر العالمي».

خلافات

وفي السياق، كشف مصدر بإحدى الشركات العاملة في الوقود لـ«التغيير»، عن خلافات بين الوزارة والشركات فيما يخص توزيع الكميات.

وتوقع أن تكون هنالك فروقات في الأسعار بين مختلف الشركات.

ولفت إلى أن السعر الحالي «283» جنيهاً للتر الجازولين و«290» للتر البنزين قابل للتعديل حسب التكلفة.

وأشار إلى أن هنالك شركات ستتعامل مباشرة مع الوزارة من بينها قادرة والنيل.

وأكد أن التحدي هو توفير الدولار بعد حل محفظة السلع الإستراتيجية.

تساؤلات واتهامات

وتساءل البروفيسور شيخون عن كيفية حصول الشركات على العملات الحرة الخاصة بالاستيراد، وأجاب: «ربما تقوم بعض الشركات بنشاط مشبوه في سوق الذهب أو ربما تلجأ للسوق الموازي وفي الحالتين ستزيد الطين بلة».

واتهم شيخون بعض القوى السياسية الثورية بأنها متماهية مع قرارات التحرير الاقتصادي .

وقال: «بعض الأحزاب ترفض التحرير بصورة عامة وتقبل قرارات الحكومة».

انتهاء الأزمة

لكن المحلل الاقتصادي د. الفاتح عثمان محجوب، وصف قرار تحرير سعر الوقود بالممتاز، وأكد أنه سينهي أزمة الوفرة بشكل كامل.

وقال لـ«التغيير»، إن التحرير الكامل للوقود هو أحد أهم شروط شركاء السودان ضمن منظومة إصلاح الاقتصاد السوداني، وهو أيضاً شرط جوهري لاعفاء ديون السودان الخارجية.

د. الفاتح عثمان محجوب

واعتبر أن دعم الوقود والكهرباء كان أحد أهم أسباب سقوط البشير لأنه تسبب في زيادة استهلاك الوقود وبالتالي رفع من معدل استيراد السيارات ومستلزماتها مع زيادة مضطردة في استيراد الوقود، وبالتالي تسبب دعم الوقود والكهرباء في انهيار سعر الصرف للجنيه السوداني بحكم أن الموازنة لا تكفي لمقابلة دعم الوقود والكهرباء، وبالتالي اضطرت الحكومة لطباعة النقد لتمويل الدعم مما أدى إلى انهيار متواصل لسعر صرف الجنيه السوداني.

شجاعة

وطالب د. الفاتح الحكومة الانتقالية للتحلي بالشجاعة، وقال: «يجب أن يتحلى الجهاز التنفيذي بالشجاعة ويمضي قدماً في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية بتطبيق كامل لرفع الدعم عن الوقود والكهرباء، بل ووضع ضريبة قيمة مضافة لا تقل عن 60% على لتر البنزين توجه قيمتها لدعم الصحة والتعليم والمواصلات العامة وتمويل البنية التحتية للمواصلات العامة من طرق وجسور، فضلاً عن دعم إنتاج البترول والصادرات الزراعية والحيوانية».

وقف الاستثناءات

ونادى د. الفاتح الحكومة بالتوقف عن تخصيص الوقود المدعوم للزراعة أو المواصلات العامة أو السيارات الحكومية والاستعاضة عن ذلك بتبني أسعار تركيز للسلع الزراعية وتشجيع استخدام الكهرباء والطاقة الشمسية.

وبالنسبة للمواصلات العامة، اعتبر أن الأفضل هو دعم المواصلات العامة الحكومية وعدم زيادة سعر التذكرة، والتركيز على الخطوط الطويلة وترحيل الطلاب والعمال وجعلها أكثر كفاءة، وزيادة نسبة مساهمتها في المواصلات العامة لـ50% مع جعل بقية المواصلات تعمل وفق نظام ربحي يتفق وأسعار الوقود الحر .

وقال إن المؤسسات الحكومية يجب عليها شراء الوقود بالسعر الحر لتقليل استهلاك الوقود للسيارات الحكومية.

عطالة

ونوه د. الفاتح إلى أن نسبة كبيرة من الشعب تعاني من العطالة لذلك هنالك حوجة لسياسات داعمة للإنتاج والاستثمار والصادر بما يساعد على تقليل الاستيراد والاستهلاك وهذا من صالح الشعب.

وضرب مثالاً بأن أي ضرائب على البنزين يمكن تحويلها لدعم المواصلات العامة والصحة والتعليم ودعم الإنتاج، وبذلك يتم خلق مئات الآلاف من فرص العمل.

ورأى أن دعم الوقود يساعد على تحويل الشعب إلى شعب عاطل كل همه امتلاك عربة وعلى الحكومة توفير الوقود له مجاناً أو شبه مجاني.

ضريية على البنزين

واعتبر د. الفاتح أنه ولمزيد من الفائدة يجب ان تصحب قرارات التحرير ضريبة على البنزين لا تقل عن 60% على اللتر.

وقال إن ضريبة البنزين يمكن أن تخدم الاقتصاد لأنها على الاستهلاك وبالتالي تشجع الترشيد وتقلل الاستيراد وتحفاظ على البيئة وترفد الموازنة بمبالغ مالية كبيرة يمكن الاستفادة منها في تحسين ودعم قطاع المواصلات العامة والطرق والجسور، بجانب التعليم والصحة.

وأضاف بأن تحرير الوقود مع فرض ضريبة لا تقل عن 60% على البنزين ستسهم بقوة في تخفيض سعر صرف الدولار أمام الجنيه السوداني وستسحب السيولة من السوق بما يكفي لتخفيض التضخم بالرغم من أن زيادة سعر الوقود ستؤدي لموجة تضخمية في البداية لكن تدريجياً مع سحب السيولة بسبب الضريبة والتحرير سينخفض التضخم .

وشدد على إلغاء ضريبة الإنتاج التي فرضت مؤخراً على المصانع وتقليل الضرائب علي كل المصانع.

تأثيرات مؤقتة

وبدوره، قال عضو القطاع الاقتصادي بالتجمع الاتحادي أحمد الباشا، إن التحرير الكامل لأسعار المحروقات يتم وفق معادلة سعر الصرف الداخلي للدولار مضافاً إليه قيمة العملة المحلية والأسعار العالمية للنفط، بجانب حساب التكاليف الإدارية بحيث يكون هنالك هامش للربح وبالتالي يتم تحديد السعر وفق هذه المعادلة  .

أحمد الباشا عضو القطاع الاقتصادي بالتجمع الإتحادي

وتوقع في حديثه لـ«التغيير»، أن يكون لقرارات رفع الدعم تأثيرات سياسية مؤقتة- بحسب تعبيره.

وقال إن المواطنين الآن في حالة غضب شديد ولكنهم سيدركون لاحقاً أهمية رفع الدعم.

وطالب الباشا الحكومة بالإسراع في تطبيق المعالجات خاصة برنامج «ثمرات».

وأشار إلى أن البطء اصبح سمة ملازمة للحكومة مما يؤدي لتحجيم فائدة بعض القرارات والمشاريع.

حوجة للعملات

وربط الباشا بين رفع الدعم وسعر الدولار، وقال: «الحكومة عن طريق بنك السودان جففت السوق الموازي من العملة بعد نجاح التحويلات عبر المنافذ الرسمية ولكن في المقابل أصبحت هنالك حوجة للعملات لاستيراد المواد والسلع الأساسية ومن بينها المحروقات التي باتت سلعة كغيرها من السلع ويحتاج المستوردون لعملات حرة ربما لا يوفرها البنك المركزي بصورة كافية في الزمن المناسب وبالتالي ستلجأ الشركات والمستوردين للسوق الموازي مما سيحدث مضاربات قد تضاعف من الأسعار وبالتالي نعود للمربع الأول بوجود سعرين رسمي وموازي».

برنامج الاصلاح الاقتصادي الذي وقعت عليه حكومة حمدوك التي شكلها بعد التوقيع على اتفاق جوبا للسلام ستترتب عليه ضغوطات معيشية فوق احتمال المواطنين، ولذلك حتى الاقتصاديين والسياسيين المقتنعين بجدوى سياسات التحرير الاقتصادي واهميتها من الناحية العملية لاصلاح الاقتصاد على المدى البعيد يؤكدون انها يجب ان تكون مصحوبة ببرامج لتخفيف آثارها الصادمة على تكلفة المعيشة ، وهناك برامج ممولة من مانحين دوليين في هذا الاتجاه ومنها برامج الدعم النقدي المباشر للمواطنين (ثمرات) إلا ان شهادات متواترة من مراقبين وصفت هذه البرامج بعدم الفاعلية والبطء الشديد إذ انها وصلت الى عدد محدود جدا من المستهدفين بها فضلا عن ان مبلغ الدعم النقدي قليل مقارنة بتكلفة المعيشة كما ان برنامج سلعتي الذي يهدف لتوفير السلع التموينية الاساسية بأسعار مخفضة ما زال محدودا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى