«متاريس تحرير الوقود» تعيد مطالب هيكلة الشرطة السودانية للواجهة
في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة السودانية، عن تحرير أسعار الوقود، خرجت مظاهرات احتجاجاية واسعة بشوارع العاصمة وبعض مدن السودان، قام فيها المحتجون بإغلاق معظم الشوارع بـ، بالحجارة “التروس” وإشعال إطارات السيارات التي أعاقت الحركة في عدد كبير من الشوارع الرئيسة.
التغيير- الخرطوم: أمل محمد الحسن – علاء الدين موسى
واشتكى عدد كبير من المواطنين من عمليات نهب تتم في “المتاريس”، الأمر الذي جعل لجان المقاومة في عدد من أحياء الخرطوم، تصدر بيانات تشير إلى توقفهم عن الفعل الاحتجاجي، متهمين قوى الثورة المضادة باستغلال الأمر.
«تتريس» مدفوع القيمة
وتناقلت وسائط التواصل الاجتماعي، قصص عدد من الأطفال الذين أكدوا تلقيهم أموالا من أشخاص مجهولين، طلبوا منهم إغلاق الطرقات والتعامل بعنف مع أي محاولات لكسر الحواجز من قبل سيارات المواطنين.
وانتشر في مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لـ”موتر” على ظهره شخصان أحدهما يرتدي الزي النظامي، كانا يمنحان الأطفال البنزين من أجل إشعال النيران في الإطارات.
«فيديو»
في وقت كشف فيه، قيادي بقوى الحرية والتغيير، عن رصدهم لعدد من النظاميين الذين ينتمون لمؤسسات نظامية مختلفة، يعملون على دعم لجان المقاومة لإقامة المتاريس وممارسة العنف.
الكوادر المنتمية للأجهزة النظامية لا يمثلون مؤسساتهم، بل هم مجرد عناصر تنتمي للنظام السابق وتعيش حالة من الإحباط ويفضلون الوجود في بيئات قمعية، بحسب الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني، مهدي رابح.
وأضاف رابح “حال ثبت تمثيلهم لجهاتهم النظامية في هذا الفعل سيكون هناك حديث آخر”.
فيما أكد قيادي بتنسيقية لجان المقاومة لـ”التغيير”، بأن من يقومون بإغلاق الشوارع “التتريس” حالياً لا ينتمون إلى لجان المقاومة، مشيراً إلى أن لجان المقاومة في كثير من الأحياء تبرأت من هذا الفعل.
وكشف عضو لجان مقاومة الكلاكلات أسامة أزهري لـ”التغيير” عن إثارة مجموعات مسلحة بأسلحة بيضاء للفوضى في منطقة شارع 15، الأمر الذي اضطرهم للاستعانة بالشرطة لإيقاف مظاهر العنف.
وقال أزهري، إنهم قاموا بعمل نقل مباشر لموكبهم الاحتجاجي على تحرير سعر الوقود، وظهرت في الفيديوهات مجموعات من خارج أحياء الكلاكلة ولم يتعرف عليهم أحد.
وكشف أزهري عن اجتماع لتنسيقيات لجان المقاومة غداً الأربعاء لمناقشة مليونية 30 يونيو، مشيراً إلى تباين في الرؤى بين اللجان حول مطلب “تسقط بس”.
تطوير الاحتجاجات
“المتاريس” كانت وسيلة لحماية الأحياء من الهجمة العسكرية على الثوار، وفق الأمين السياسي للمؤتمر السوداني، الذي أكد استغلال جهات مختلفة لطريقة الفعل الاحتجاجي للجان المقاومة مؤكداً عدم قدرتها لتعبئة الجماهير بصورة مؤثرة.
من جانبه، يرى الناشط السياسي، أحمد الحاج، أن هناك تطورا وسط عمل لجان المقاومة، إلا أنه وسمه بـ”البطيء” عازيا الأمر إلى صعوبات هائلة تواجهها اللجان لا يشعر بها بقية المواطنين.
وأكد الحاج على عمل اللجان الآن على تطوير فعلهم الاحتجاجي عبر تطوير أساليب متعددة، منها البيانات والاعتصامات والمؤتمرات والوسائط.
وقال الحاج، إن استخدام “المتاريس” يعتبر هو الفعل الأقصى للتعبير عن غضب قوي تجاه سياسيات الحكومة الانتقالية الغامضة، حد تعبيره.
واتهم الناشط السياسي المؤسسة العسكرية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، بعدم رغبتهم في ازدهار لجان المقاومة كقوى اجتماعية جديدة.
من جانبه، اتهم الأمين السياسي بحزب المؤتمر السوداني، الأحزاب بالتقصير في علاقتها مع لجان المقاومة، والشارع بشكل عام، مشيراً إلى موجة كراهية ضد الأحزاب.
وأضاف: “هناك تقصير من جانبنا نعترف به، لكن لابد أن يعي الشارع أنه لا ديمقراطية بدون أحزاب”.
وفي وصف المشهد قال رابح، إن هناك جهات بأجندات مختلفة بينهم “كيزان” يرغبون في العودة للسلطة، ومنهم جهات تريد التأسيس لديمقراطية البروليتاريا، ومنهم من ينجر لعملية العنف بلا هدف محدد.
وتابع “لجان المقاومة كيان أفقي من الصعب تنظيمه”، وجودها في ذات الوقت مهم بحسب رابح الذي طالبها باختيار أدواتها وتوجيه طاقاتها نحو البناء.
المشهد الأمني المعقد، جعل الولايات المتحدة الأمريكية، تطلق تحذيرا لرعاياها من الدرجة الرابعة “أخطر درجة” بعدم زيارة السودان، وهو ما وصفه دبلوماسي رفيع بالخارجية لـ”التغيير”، بأنه التحذير السنوي، مؤكدا عدم وجود تبعات عليها.
«النيقرز» صنيعة كيزانية
وبحسب مصدر عسكري رفيع، قال إن عصابات النيقرز صنيعة إنقاذية كاملة الدسم، يتم استخدامهم لخلق حالة من عدم الاستقرار المجتمعي عبر نشر الرعب.
وأضاف: المصدر العسكري لـ”التغيير”، أن عناصر النظام البائد لا تملك أي فرصة للعودة إلى المشهد السياسي بصورة واضحة حتى لو كان ذلك باتفاقات مع المؤسسة العسكرية.
وتابع: “ما تم سابقا في التمويه أيام انقلاب الإنقاذ لا يمكن إعادته مرة أخرى”.
وأكد المسؤول العسكري، أن الانقلابات ما عادت مقبولة لا على المستوى العالمي ولا الإقليمي.
وراجت شائعات حول إضراب لعناصر الشرطة من المقرر تنفيذه في الـ30 من يونيو الحالي، إلا أن مسؤولا عسكريا رفيعا، أكد عدم وجود أي علاقة بين ذكرى 30 يونيو وأي فعل مناوئ للاستقرار الحالي من أي جهة عسكرية.
وأضاف: “30 يونيو ذكرى انقلاب الإنقاذ، سيكون عليه تركيزاً كبيراً من الجهات الأمنية بأشكالها المختلفة، ولن يتمكن أي شخص من استغلالها”.
ويرى مراقبون، أن الشرطة لم تتعامل مع الأحداث بالحسم في بداية الأمر وأصبحت تتفرج على ما يحدث كأن أمن المواطن لا يعنيها، واتهموها بالتقاعس حيال ما تم من نهب وترويع للمواطنين.
وأكدوا أن الشرطة، تعد أكبر مكان مارس فيه النظام البائد التمكين، وطالبوا بضرورة إعادة هيكلتها وتنظيفها من جيوب النظام السابق حتى تقوم بدورها على أكمل وجه.
استقرار الأوضاع
فيما أكد مدير الاعلام بشرطة ولاية الخرطوم، خلف الله ريحان، استقرار الأوضاع الامنية بالولاية يومي الاثنين والثلاثاء.
وكشف ريحان لـ”التغيير”، عن تنسيق كبير بين قوات الشرطة ولجان المقاومة في محليات العاصمة السبع، مشيرا الى بداية انتشار القوات منذ السابعة صباحا وحتى الحادية عشرة ليلا.
ووصف ريحان المتاريس بالمعطلة لوصول الحالات الحرجة للمستشفيات، معلناً عن وفاة سيدة في حالة وضوع بسبب تأخيرها في أحد “التروس”.
ودعا ريحان الأسر للمساهمة في استتباب الأمن “وألا يتركوا أطفالهم عرضة لأفعال المتفلتين”.
ووصف ريحان بعض “المتاريس”، بأنها صممت لـ”شغل غير الاحتجاجات”، كاشفا عن اعتقال مجموعات تحمل السلاح الأبيض بمحلية كرري في انتظار المحاكمات حاليا، بعدمافتحت في مواجهتهم بلاغات.
على صعيد منفصل، أشاد مدير إعلام شرطة الولاية، بدور المواطنين الذين قال إنهم ساهموا في تأمين امتحانات شهادة الأساس..
فيما يرى مدير المباحث الأسبق، عابدين الطاهر، أن مؤسسة الشرطة تحتاج فعلا لمراجعات مفصلية لإعادة ومراجعة الخراب الذي ضرب أهم مؤسساتها الجنائية وطرق التشغيل والإرث الجنائي الذي فارقت الكثير من موروثاته.
وقال الطاهر لـ”التغيير”، لابد من توضيح غياب المنظومة الجنائية، المتمثلة في المكاتب الجنائية، لتسجيل ومتابعة معتادي الإجرام لرصد وتغذية وتبادل معلومات بين مستويات المكاتب الجنائية على المستوى الأفقي .
وأضاف: “الادارة العامة للمباحث المركزية، هي التي تصب عندها مركزيا كل المعلومات الخاصة بالجريمة والمجرمين، وتقوم بإعداد يومية جنائية يومياً وأسبوعياً وشهرياً ونصف سنوياً ثم سنوياً”.
وتابع: “وهذه الإحصاءات الدقيقة التي يتم جمعها تندرج من نقاط الشرطة إلى أقسامها إلى رئاسات المحليات إلى رئاسات الولايات، ثم تنتهي بالادارة العامة للمباحث المركزية، تشكل منظومة جنائية دقيقة تجعل هذا العمل مترابطا ودقيقا”.
وزاد: “يتم وضع خطط محاربة الجريمة ومنع وقوعها بل واكتشافها من خلال المعلومات العديدة المتعلقة بالأسلوب الإجرامي وتحرك المعتادين ووجودهم داخل أو خارج السجون أمرا ميسرا”.
وأوضح عابدين، أن عودة الحياه لهذه المؤسسة ليس أمراً مستحيلاً، ولكن لابد لتحقيق ذلك من إعادة كل تلك المنظومة التي أهملت فيما يتعلق بالعمل الجنائي ومراجعة مواعين التدريب وازالة كل المعوقات والسلبيات.
وقال: “لابد من إعادة القوات الضاربة والمجيشة بمسمياتها المختلفة وتغيير مهامها وتوزيعها على أقسام الشرطة ونقاطها لسد النقص الكبير الموجود الآن، وستساهم بنسبة عالية في منع واكتشاف الجريمة وهو الهدف الأسمى للشرطة.
ونوه إلى أن شعور المواطن بالأمن في داره وتحركاته سيزيد من ثقته في شرطته ويجسر أي هوة حدثت فيما قبل.
وطالب الطاهر بإزالة ما وصفها بالشوائب والطحالب من الشرطة، ونفض الغبار عن تروسها لتدور حاملة كل إرثها وخبرتها المعتقة لتبسط الأمن وتنشر الاطمئنان في نفوس الجمهور منعا للجريمة وكشفا لما يقع منها.