يصدح الفنان أبو عركي البخيت من أعماق الشوق «واحشني» فيتولى الساكسفون مواساة صوت الفنان النائح صعوداً وهبوطاً ليصنع المعادل الموضوعي لحالة الصبابة التي ضمخت سماوات اللحن.
عبد الله برير
يبدأ الشاعر في تعداد مآلات حالة الوحشة التي اعترته، ومحبوبه قد سطر ملامحه سلفاً في حياته «يا الخليت ملامحك في حياتي»، وهو الذي أرسى دعائم محبته في أعماق ذات المحبوب «يا الرسيت مراسيك جوة ذاتي».
يستخدم الشاعر التجاني حاج موسى عبارات الأمل المستسلمة وهو يصف اشتياقه لمحبوبه «إلا باكر لما ترجع أنا بحكي ليك عن الحصل»، في وقت تلعب فيه اللازمة الموسيقية دور «الفلاش باك» في موسيقى تبدو كأنها دوامة تبتلع انكسار الشاعر الذي يوضح حالة العاشق التي أحيلت إلى فراغ عريض جراء فراق المحبوب.
الشكوى من الحبيب وإليه، انتظاره ليحكي له ما حدث في غيابه القاسي، عن كون حبيبه قريب وبعيد بمسافة موت وحياة.
يستمر التيجاني في إيضاح حاله وهو في براثن الوحدة «لمن يفارق زول عيون غاليات عليه كتير خلاص وبحبها»، يستخدم لغةً بسيطةً مسالمة مباشرة وعميقة في ذات الآن توضح ماهية تأثير فراق عيني من يحب.
انتفاضة في صوت أبو عركي مصحوبة بموسيقى شجاعة معاتبة للأقدار والمسافة والسفر «والله أحكام يا قدر.. والله أحكام يا مسافة ويا سفر»، مختومة بالتميمة السحرية «واحشني».
تظهر المقدرات التوزيعية لدى الموسيقار يوسف الموصلي وهو يوظف الفلاوت في وصلة موسيقية جديدة تنقل النص إلى رحابٍ جديدة بمعاونة الساكسفون.
عتاب لطيف من الشاعر ووصية تنسل من صوت عركي في ترج جميل «بس تاني لما بتسيبني وتسافر.. خت في بالك إنو دنياي في مدارك»، أبو عركي بصوته الخرافي يوصل إحساس حيرة الشاعر وأمله في ألّا يُغادر حبيبه مجدداً لكون الدنيا كلها قد اختزلت في مداره.
يمضي عركي والتجاني إلى استعراض كمية الصبر التي استهلكها الانتظار «وجد لفافات الصبر أنا دخنتها»، بل مضيا إلى تطويع مقاطع الغناء لتتواءم مع الترقب «وحتى المقاطع في غناي طوعتها».
ويبدو أن المقاطع لا تتعاطف كلياً مع مؤلفها حيث تأرجحت بين الفرحة باللقاء وبين الفراق في إحساس مبهم «وغريبة غنت فرحة، لا لا مش فرحة، فرقة؟ لا لا مش فرقة».
يصرح الشاعر بهزيمته واستغرابه واندهاشه من واقعه العاطفي ويتساءل: «الله الله! تقصد شنو ما عرفتها؟» في توهان واضح، غير أنه يجيب إنابة عن مخاوفه: على العموم هي «تجربة خطيرة واجتزتها»، درس بليغ في الصبابة لم يخرج منه سوى بإحساس الشوق «واحشني».
الأغنية من كلمات الشاعر التيجاني حاج موسى وألحان الفنان أبو عركي البخيت وتوزيع الموسيقار يوسف الموصلي.