مبروك النجاح ولكن
ظهرت نتائج امتحانات مرحلة الأساس في معظم الولايات تقريبا , وبحسب متابعتي لم تبق سوى ولاية أو اثنتان لم تظهر نتائجها بعد.
خالد فضل
تفاوتت نسب النجاح والملاحظ أنّ معظمها في حيّز السبعينات من مائة , وهي نسب نجاح جيّدة إذا أخذنا في الاعتبار الظروف الصعبة والقاسية التي مرّت بها بلادنا طيلة العام الدراسي المنصرم , هناك جائحة كرونا التي رافقت العام الدراسي من بدايته وحتى اعلان نتائجه , السيول والفيضانات التي عطّلت الدراسة لعدة أسابيع , وأفرزت واقعا إنسانيا مؤلما لكثير من الأسر والتلاميذ/ات في أنحاء مختلفة من البلاد , صعوبات المعيشة من خبز وماء الشرب وانقطاع أو انعدام الكهرباء في مختلف الولايات والعاصمة على وجه الخصوص , كل تلك الصعوبات تمّ مواجهتها بصبر ومثابرة من التلاميذ /ات والأسر والمعلمين/ات , مما قاد لتحقيق نتائج معقولة في تقديري قياسا على تلك الظروف والتحديات , فالتهنئة مجددا للناجحين والمتفوقين من البنات والبنين , وأخص ابني (عمر) وبنات وأبناء أسرته الممتدة في الخرطوم والجزيرة والقضارف , وكذا أبناء وبنات الأصدقاء/ات والزملاء/ات , وحظا أوفر لبناتنا وأولادنا الذين لم يوفقوا في هذا العام وأمامهم فرصة للحاق بركب الناجحين في مقبل عامهم بحول الله .
ثمّ وبعد التهاني والتبريكات , والفراغ من طقوس الاحتفالات واعلانات المدارس الخاصة , نعود للأهم , للسؤال الأساسي _ كما في رأي البروفسير محمد الأمين التوم وزير التربية السابق_ ماذا تعلّم هولاء ؟ ؟؟ وكيف تعلموا ؟ وهل البيئة التعليمية برمتها مشجعة ومحفزة على التعلم ؟ لقد أشار مدير التعليم بولاية الخرطوم في خطاب إعلان نتائج الأساس , إلى أهم داء يواجه العملية التعليمية , وهو نقص الموارد المخصصة للتعليم في الميزانية العامة , هذا صحيح , فبدون تخصيص ميزانية معقولة للتعليم لا يمكن توقع حصول تغيير جاد ومهم ومفيد في قطاع التعليم , أي الإستثمار في رأس المال البشري , ومن مظاهر الخلل البائنة الآن , احتفالية اعلان النتائج ذاتها . فهنا سوق للترويج للمدارس الخاصة , وهي المدارس التجارية التي تعتمد اسلوب السوق في البيع والشراء وتعظيم الأرباح , لذا نلحظ مثلا أنّ الإهتمام كله ينصب على الصفوف النهائية في المرحلة المعنية (أساس / ثانوي) وتكتظ الصحف وجدران المدارس بلوحات الشرف للتلاميذ المتفوقين في امتحانات شهادتي الأساس والثانوي , من الواضح أن ذلك التركيز على حصد الدرجات , وإذاعة أسماء التلاميذ/ات في المؤتمرات الصحفية لإعلان النتائج , يشكل هدفا تجاريا وربحيا ودعائيا أكثر مما يشكل تفوقا حقيقيا لهولاء الأبناء ( الضحايا) , وفي سبيل الظفر بالإذاعة ربما ترتكب المدارس الخاصة تحديدا ممارسات غاية في الخطورة على العملية التربوية والتعليمية , مثل التمييز بين التلاميذ , تخصيص وتركيز على ( الشطار) وإهمال للبقية , المحاباة في الدرجات الصفية , مساعدة بعض التلاميذ على الغش أو تسريب الأسئلة وغيرها من الممارسات التي تنتمي لحقول ( السوق) والربح , ولكنها لا تمت للعملية التعليمية بأدنى صلة , كل تلك الممارسات الشائهة التي تحدث في كثير من المدارس والولايات , وتحديدا في امتحانات الشهادتين , تدل على أنّ حقل التعليم بحاجة عاجلة لثورة تغيير شاملة , وبداية هذه الثورة , تخصيص موارد مناسبة للبداية السليمة في الإصلاح , فمن غير المعقول ألا تتم طباعة كتب العام الدراسي الجديد وهو على بعد شهر واحد من الآن , أمّا تدريب المعلمين وتأهيلهم وتغيير عقلياتهم لمواكبة التطور العلمي والحقوقي المذهل فهذه مهمة عسيرة خاصة في بلد عاثت فيه الديكتاتوريات والأنظمة الشمولية خرابا وتدميرا ! ما تزال أرقام الأطفال الذين لم يجدوا مقعدا في المدرسة يحسب بالملايين , التسرب المدرسي ؛ هذه آفة من آفات (تسليع) التعليم , وسيادة عقلية السوق والكسب السريع , زميلة تولت حديثا منصبا قياديا في ولاية سنار قالت لي إنّ الذهب صار آفة , يترك الأطفال والصبيان مقاعد الدراسة ليلحقوا بركب المنقبين , ومع خروج كل طالب تخرج طالبة كذلك بسبب الزواج المبكر , أثرياء الذهب الصغار يبحثون عن الطفلات للزواج , نفس هذه المشكلة حدثتني بها معلمة من قريباتي تعمل في قرية مجاورة في ريفي الحوش , قالت: يبدأ الفصل بأكثر من مائة طفل /ة في أولى أساس وبنهاية المرحلة لا يبقى منهم سوى بضع وعشرين !! أين يذهب الباقون؟ الذهب الذهب يكاد تعليمنا يذهب . التعليم غير جاذب والمدارس تفتقر إلى الأنشطة , بل الفصول والمقاعد ومياه الشرب , كل تلك المعضلات تجعل من احتفالية النجاح في الامتحانات النهائية تطرح السؤال البدهي عن ماذا تعلموا وكيف؟؟.
فرصة التغيير الجذري
لقد لاحت فرصة التغيير الجذري والحقيقي بفضل ثورة ديسمبر المجيدة , وبكونها ثورة قادتها الفئات الواعية من الشابات والشباب , وبالفعل فإنّ الأسس للتغيير كان قد بدأت خطواتها بفضل قيادة البروف محمد الأمين وساعده في إدارة المناهج د. القراي , ولكن !! ما يزال العشم في أن تولي حكومة الفترة الإنتقالية قطاع التعليم عنايتها , فكل الثروات تظل بلا قيمة بدون تنمية الثروة البشرية , ولا سبيل للتنمية البشرية بغير التعليم الشامل الجيد والمنصف كما تقول أدبيات برنامج الألفية المعتمد لدى الأمم المتحدة