خالد فضل
لم يعد سرّا من الأسرار، تلك العلاقات الوطيدة بين الولايات المتحدة الأمريكية والحركات المسماة إسلامية، لقد تمّ استخدام تلك الحركات دوماً في خدمة الأجندة والمصالح الأمريكية عبر القارات، ولعل نشأة وتمويل وتشوين الحركات الإسلامية في أفغانستان قد ارتبطت مباشرةً بظروف الحرب الباردة وقتذاك، والغزو السوفيتي لذلك البلد في أواخر سبعينات القرن الماضي.
لقد نشأت جماعات المجاهدين الإسلاميين ضد السوفيت تحت الرعاية الأمريكية، وتمّ تمرير المخطط عبر حلفائها في المنطقة العربية الإسلامية، فقد توافد المجاهدون من كل حدب وصوب خاصة من السعودية ودول الخليج العربي، ونشطت حركات الإسلام السياسي في مقاومة القوات الأفغانية المدعومة سوفيتياً، وبنهاية عقد الثمانينات كان الاتحاد السوفيتي قد انهار، وتفتت إلى الدويلات التي تمّ تجميعها منذ بداية القرن تحت مظلة ذلك الاتحاد.
بانسحاب السوفيت من أفغانستان، ومع انهيار الاتحاد السوفيتي نفسه، بات واضحاً أنّ الغرض من تكوين تلك التنظيمات قد انتفى، ومن هنا بدأت مرحلة التخلص منها، خاصةً بعد أن بدأت تلك التنظيمات تشعر بالقوة والنفوذ المتزايد.
ومع اتساع حملات الاستقطاب، وتدفقات الشباب من البلدان الإسلامية، طمعاً في المشاركة في الجهاد، بعد أن عاشوا في يأس وإحباط في بلدانهم الأصلية؛ التي تسيطر عليها أنظمة قهرية باطشة، لقد مثّل الجهاد فرصة ثمينة لشباب محبط في مجتمعات مغلقة، لم تطرق أبوابها أدبيات حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات بعد.
وبانقضاء المهمة التي رُسمت لتلك الجماعات سلفاً، وبانسحاب العدو المحتل لم تجد تلك الجماعات ما تستمر به على قيد الحياة سوى الجهاد مرّة أخرى ضد الأمريكان والغربيين عموماً هذه المرّة، ومن هنا بدأت المتاعب بين الجانبين.
وكانت حركة طالبان قد نشأت في تلك الأجواء، واستناداً إلى أدبيات المذهب السني المتطرف من جماعات السلفيين المختلفة، وقوامها الأساس كما هو واضح من اسمها طلاب الحوزات الدينية ومعاهد السلفيين والوهابيين في باكستان، وتمكنت من الوصول إلى السلطة بتحالفات قبلية وعشائرية متعددة، ثم بدأت في تطبيق مفاهيمها السلفية البائسة في الحكم، مما قاد إلى عزلة دولية لأفغانستان، وحروب أهلية مستمرة، ثم صارت أفغانستان وكراً لجماعة القاعدة بقيادة أسامة بن لادن (السعودي الجنسية)، وتمدّدت القاعدة لتضم مجموعات في بلدان متعددة، بيد أن مركزها ظل في أفغانستان طالبان، ومع تجرؤ تلك الحركات على الولايات المتحدة حد ضرب أبراج مركز التجارة العالمي في نيويورك، ومبنى البنتاغون في واشنطن في أحداث سبتمبر 2001م الشهيرة، أصبح في حكم المؤكد أنّ عهد طالبان في أفغانستان قد انتهى تماماً، وهو ما حدث بالفعل إثر الغزو الأمريكي، وطرد الحركة من السلطة، وتنصيب حكومة أفغانية موالية، ظلت مرتبطة بالوجود الأمريكي، لتتصدع ثانية بالانسحاب الأمريكي من أفغانستان خلال هذا الشهر.
الآن يبدو أنّ طالبان قد تمّ إعدادها أمريكياً لتلعب دوراً في خدمة المصالح الأمريكية في المنطقة، هناك إيران الشيعية التي تحتاج إلى ترياق مذهبي مضاد، وليس هناك أفضل من الجماعات السنية السلفية، في خاصرتها، لتؤرق مضاجعها على الأقل، ثمّ هنا روسيا؛ الوريث للاتحاد السوفيتي السابق، ونذر الحرب الباردة تزداد بين البلدين، والتقاطعات بينهما في معظم المواقف، وجود طالبان في السلطة أفضل من وجود حكومة ظاهرة الولاء لأمريكا، الآن يمكن لدولة سلفية على حدود روسيا أن تخدم مصالح الولايات المتحدة أفضل بعشرات المرّات من حكومة محسوبة علناً عليها، وتتكفل بحمايتها، ودعمها رسمياً، ولا ننسى الصين، المارد التجاري والتكنولوجي الذي يغزو كل العالم، ونظامها الشيوعي، الذي لا تطيق السياسة الأمريكية عموماً تزايد نفوذه، ورغم اتهام بايدن باليسارية أو على الأقل تحالفه مع اليسار، بيد أنّ شيوعيين عدييل كدة ربما لا يمكن احتمالهم في أمريكا الرأسمالية، الصين مهدد لأمريكا ونفوذها، ووجود سلطة راديكالية، جهادية، يخدم المصالح الأمريكية دون تكلفة عالية، الصين لابد ستتحسب لما يمكن أن يفعله وجود داعم ديني إسلامي لجماعات متمردة في بعض الأقاليم التي يقطنها المسلمون، هذه مشغولية جديدة للصين.
هكذا يمكن ملاحظة السهولة والسرعة التي انهارت بها حكومة كابول، وسيطرة طالبان، طريقة تشبه ما حدث في اليمن، عند سيطرة الحوثيين، في بلد سيطر عليه الأمريكيون لعشرين سنة، ومهما تحمسنا لقول حميد (ياتو مطرتن فرتق غيما الأمريكان) لكن تبدو صورة طالبان الراهن (هسّه) كما نقول في دارج لغة السودانيين، صورة محسنة شوية من طالبان زمان، ولأن طبيعة الحركات الإسلامية التلون، وعدم المبدئية، والسعي وراء السلطة والإستحواذ، فإن طالبان تقدّم خدماتها لمن تجد عنده مصالحها، فهي قطعة من نسيج واحد متهافت.