الاستقرار النسبي للجنيه السوداني.. عوامل الاستمرار ومخاوف الانهيار
الاستقرار النسبي الذي حدث للجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية مؤخراً، دفع للتساؤل حول أسبابه الواقعية، وإمكانية استمراره والعوامل التي يمكن أن تقود لانهياره مجدداً!!
التغيير- الفاضل إبراهيم
شهدت أسواق العملات الأجنبية في السودان مؤخراً، حالة استقرار نسبي حافظ فيها الجنيه السوداني على الفارق بينه والدولار وعملات أخرى خاصة في السوق الموازي «السوداء» إذ انخفض سعره مقارنة بالبنوك ولم يتجاوز «445» جنيهاً، في وقت كان يتوقع فيه معظم المراقبين مواصلة الدولار لتقدمه مقابل الجنيه.
وعزا البعض هذا الاستقرار النسبي إلى سياسات بنك السودان المركزي خاصة مزاد العملة، فيما نوه آخرون إلى أن سببه الإجراءات الأمنية ضد تجار العملة، لكنهم توقعوا عودة الدولار للصعود مجدداً.
باحث اقتصادي:لاستقرار سعر الصرف كان نتاج هدف إستراتيجي للحكومة الانتقالية منذ مجيئها وعملت عليه بإصرار
تخطيط إستراتيجي
واعتبر الباحث الاقتصادي بابكر أحمد عبد الله، أن الاستقرار الحالي لسعر الصرف لم يأتِ مصادفةً وإنما كان نتاج هدف إستراتيجي وضعته حكومة الفترة الانتقالية منذ مجيئها وعملت عليه بإصرار، ووضع لبنات سياساته د. إبراهيم البدوي وواصلت د. هبة محمد علي على المنهج، ثم كان د. جبريل إبراهيم هو من وضع اللمسات الأخيرة.
وقال بابكر لـ«التغيير»، إن الحملات الأمنية لا تعتبر بأي حال من الأحوال ضمن السياسات المالية لكنها إجراء مطلوب، لأن العديد من تجار العملة لازالوا يراوغون من أجل التكسب الأسود واستقطاب جزء من التحويلات خارج النظام المصرفي مستغلين ثغرة عدم التهيئة الكاملة للبنوك لاستقبال كل التحويلات الخارجية.
مزادت العملة
وأضاف بابكر بأن مزادات بنك السودان المركزي للعملة لم تكن ضمن السياسات المالية لتحرير سعر الصرف لكنها جاءت كإجراء اقتضته الظروف في بداية تدفق تحويلات المغتربين وقيام المواطنين بتصريف مدخراتهم من العملات الأجنبية.
وتابع: «لذلك حدث تكدس للعملة الصعبة في البنوك التجارية قابلته بوادر شح ظاهرة في النقود الوطنية وذلك لأن سياسات البنك المركزي تحكمية في بيع العملات الأجنبية، إضافة إلى أن وزارة التجارة قامت بوضع ضوابط صارمة للوارد وحددت سلع كمالية للاستيراد».
وزاد: «لذلك تدخل البنك المركزي لتوفيق أوضاع البنوك التجارية ببيع العملات في شكل مزادات تحت إشرافه مباشرة لضرب عصفورين بحجر واحد، منها إدارة سيولة البنوك بتعويضها فواقد شراء العملات الأجنبية عبر بيعها حسب السياسات العامة ودون الحاجة إلى ضخ عملات وطنية، ومنها تمتين ضوابط استيراد السلع حسب الأهمية والأولويات والسياسات المالية العامة».
استدامة بشروط
وتوقع بابكر أن يكون استقرار سعر الصرف الحالي مستداماً وليس مؤقتاً إذا التزمت الدولة بسياسات وضوابط الاستيراد، لأن ميزان المدفوعات النقدية حالياً في وضع مثالي جداً مقارنة بظروف البلد، فالتدفقات النقدية الداخلة من العملة الأجنبية عبر النظام المصرفي تعادل تقريباً التدفقات النقدية الخارجة أيضا وهذا هو العامل الأساسي في تحديد سعر الصرف.
خبير مصرفي: ما يقال عن استقرار في أسعار الجنيه السوداني مقابل الدولار غير حقيقي
غير حقيقي
لكن الخبير المصرفي د. لؤي عبد المنعم، وصف ما يقال عن استقرار في أسعار الجنيه السوداني مقابل الدولار بأنه «وهمي» وغير حقيقي.
وأشار إلى أن الانخفاض والاستقرار يحدث بفضل زيادة الإنتاج والصادر.
وقال لـ«التغيير»: «طالما الميزان التجاري مختل- واردتنا أكبر من صادراتنا- ولا توجد زيادة في الناتج القومي الإجمالي لا نحلم باستقرار لاسعار الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية».
ما قبل العاصفة
ورسم عبد المنعم، صورة قاتمة للأوضاع المستقبلية للبلاد، وتوقع أنه بمجرد توقف الحملة الأمنية للجنة إزالة التمكين ضد تجار العملة سيرتفع الدولار بصورة جنونية.
وقال: «هذا هو الهدوء الذي يسبق العاصفة المقبلة».
وأضاف: «الأوضاع الآن في مرحلة انسداد بعدها سيحدث انهيار اقتصادي».
وأوضح أن هنالك تعاملاً خارج الجهاز المصرفي عقب الحملات الأمنية للجنة إزالة التمكين.
ولفت إلى أن عدداً كبيراً من المواطنين بدأوا ببيع منازلهم والشراء والاستقرار خارج السودان، وهذا يعني أن هنالك عملات ذهبت للخارج، وبالتالي يفترض أن يرتفع سعر الدولار، ويمكن أن تلجأ الحكومة لمزيد من طباعة العملة، خاصة وأن المصارف لا تمتلك احتياطياً.
مزاد مسيس
ووصف عبد المنعم، مزاد بنك السودان للعملة بأنه «مسيس» يتم من خلاله منح عملات للبعض وحرمان الآخرين، الأمر الذي يقلل من الاستيراد، وبالتالي تزيد الأسعار في السوق للاعتماد على الخارج في الاحتياجات «سلع ومواد خام».
وقال: «حالياً هنالك نقص ملحوظ في بعض السلع بالأسواق لدرجة أن بعضها بدأ سعره يرتفع، وهذا ينافي ما يقال عن استقرار أسعار الدولار، كما أن المصانع نفسها قللت من خطوط الإنتاج لعدم قدرتها على شراء عملات والاستيراد، وبالتالي تلجأ لتقليل الكميات وزيادة الأسعار بدلاً عن أن تسرح العمال وتغلق أبوابها».
تأثير الاستقرار
وأكد عبد المنعم، أن فرضية الاستقرار تتطلب معرفة تأثيره على حجم السيولة وكمية النقد الأجنبي لدى الجمهور، وإذا لم يؤثر استقرار الجنيه على هذين القطاعين فمعناه أنه استقرار مؤقت وتعقبه زيادة عقب زوال المؤثر المتمثل في الإجراءات الأمنية، وحينها ستلجأ الحكومة نفسها لهؤلاء التجار الذين تحاربهم لتشتري منهم وتضارب برفع الأسعار حتى تستطيع تكوين احتياطي نقدي.
وأشار إلى أن الحكومة لم تستفد من الذهب الذي يهرب معظمه خارج البلاد والذي كان سابقاً يعود للخزينة بـ«10» مليارات دولار، وحالياً هنالك ضعف كبير في الإيرادات وتعتمد الحكومة على المعونات الخارجية.
محلل اقتصادي: زيادة تدفقات النقد الأجنبي هي أهم عوامل استرداد الجنيه السوداني لعافيته «الحقيقية»
حالة الأسواق
من جانيه، قال المحلل الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي لـ«التغيير»، إن أي عملة ورقية تتأثر سلبياً أو إيجابياً وفقاً لحالة الأسواق المحلية والدولية التي يتم التعامل فيها بشكل يومي.
وأضاف: «كذلك تتأثر بحالة الانكماش والركود الاقتصادي وتقلص الأنشطة المرتبطة بتقديم خدمات للناس مثل قطاع السياحة العامة، السياحة الدينية الحج والعمرة والترفيه».
وتابع: «أيضاً هنالك مؤثرات تتمثل في التجارة الداخلية والخارجية، وكذلك حركة السفر والنقل البرى والبحري، وهو ما يرفع من نسب البطالة وتهبط حركة المبيعات والمشتريات والإيرادات».
تحويلات المغتربين
وأكد فتحي أن هنالك عوامل مختلفة لاسترداد الجنيه السوداني عافيته «الحقيقية» أهمها زيادة تدفقات النقد الأجنبي، ويمكن أن تسهم تحويلات العاملين بالخارج بفاعلية قوية، إضافة لتقليص العجز التجاري للبلاد، أي بمعني زيادة الصادرات السودانية.
وقال: «هذه من ضمن العوامل التي يمكن أن تسهم في تقوية الجنيه السوداني، بالإضافة للاستقرار السياسي والأمني باعتباره العمود الفقري للحفاظ على وضع الجنيه السوداني».
وأضاف بأن سعر صرف الجنيه في السودان يتحدد بناء على قوى العرض والطلب، والطلب على النقود مشتق من الخدمات أو الوظائف التي تؤديها العملة، وبالتالي يتحدد سعر الصرف أيضاً على أساس حجم التجارة الخارجية والمتمثلة في الطلب على الصادرات والواردات، علاوة على الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة.
تدفق المساعدات
وبحسب د. هيثم، يمكن كذلك أن ترتفع قيمة الجنية السوداني أو «يستقر» أمام جميع العملات الأجنبية إذا كان هناك تدفق للمساعدات من منح وقروض للبلاد.
قال: «لكن كما ذكرنا، استقرار سعر الجنيه أمام العملات الأجنبية لن يتحقق إلا بزيادة الإنتاج وتحسين جودة الإنتاج حتى يستطيع أن يلبي حاجة السوق المحلي بما يساعد على خفض طلبات الاستيراد وخفض فاتورة الاستيراد من الخارج وزيادة الصادرات، كل هذه العوامل تساعد على استقرار صورة الجنيه أمام العملات الأخرى».
ورغم تباين وجهات النظر بشأن أسباب وإمكانية استمرار حالة الاستقرار النسبي للعملة الوطنية، فالملاحظ هو أن فترة الاستقرار الحالية ربما كانت أطول من سابقاتها، مما يتطلب دراسة عميقة وأدوات حقيقية تحافظ على استدامة هذا الاستقرار ليستعيد الجنيه السوداني عافيته المفقودة.