تفكيك المحكمة الدستورية
صديق حسين
نصّت الوثيقة الدستورية على عقد ولاية القضاء في السودان للسلطة القضائية و هذا هو المطلوب . ثم ناقضت نفسها بالنص في المادة التالية بأن تكون المحكمة الدستورية مستقلة عن السلطة القضائية .و هذا انتقاص من ولاية السلطة القضائية طالما أن الفصل في منازعات الحقوق والحريات هو أيضا قضاء بل من صميم ولاية القضاء.
“المحكمة الدستورية” الموروثة من النظام البائد مثلها مثل المؤتمر الوطني والمجلس الوطني مؤسسة ذات اسم فخيم لتزيين الحكم الشمولي وغسل وتلميع الاستبداد . وهي غير جديرة بالإبقاء عليها للأسباب الآتية: .
٠١أخذ السودان منذ الاستقلال بالرقابة القضائية على الدستورية و بأن تطبقها محاكم السلطة القضائية دون حاجة لمحكمة دستورية خاصة. و قد نصّت على ذلك المادة 8 من دستور السودان المؤقت لسنة 1956 و المادة 3 و 8 من الدستور المؤقت لسنة 1964 و المادة 94 من دستور السودان المؤقت 1964 (تعديل) 1966 و المادة 58 من الدستور الدائم لجمهورية السودان لسنة 1973. و بعد انقلاب الإنقاذ على الحكومة المنتخبة في 1989 ظل السودان محكوما بمراسيم سلطوية غاشمة إلى أن صدر ما يسمى دستور جمهورية السودان لسنة 1998. و قد نصت المادة 105(1) من الفصل الثاني من الباب الخامس على أن ( تقوم محكمة دستورية مستقلة يعين رئيس الجمهورية رئيسها وأعضائها من ذوي الخبرة العدلية العالية بموافقة المجلس الوطني . و نصت المادة 105(2) أن المحكمة الدستورية حارسة للدستور. كما نصت المادة (34) من الدستور أن ( لكل شخص متضرر استوفى التظلم و الشكوى للأجهزة التنفيذية و الإدارية الحق في اللجوء للمحكمة الدستورية لحماية الحريات والحرمات والحقوق الواردة في فصل الحريات والحرمات والحقوق في الدستور و يجوز للمحكمة ممارسة سلطتها بالمعروف في نقض أي قانون أو أمر مخالف للدستور و رد الحق للمتظلم أو تعويضه عن ضرره.
ويعتبر إنشاء محكمة خاصة للرقابة الدستورية مثلها مثل الإنقاذ انقلابا على الموروث القضائي و الدستوري و ربما كانت له أسباب من بينها:
أن اثنين من الثلاثي القانوني الذي صاغ الدستور من خريجي جامعة الخرطوم ممن أكملوا دراساتهم العليا في فرنسا.
٠٢ إن قيام المحكمة الدستورية الخاصّة جاء في سياق إجراءات شمولية لقطع الصلة بما تبقى ( بعد الفصل الجماعي للقضاة) من نظام القضاء العلماني الموروث و الحاجة لمحكمة تكون حامية للنظام الشمولي الجديد بمزاعمه الإسلامية ومحاكمة العسكرية ومحاكم الطوارئ و بمنأى عن السلطة القضائية لاحتمال انحياز من بقي من قضاة السودان القديم لسيادة حكم القانون و الفقه الدستوري الموروث.
٠٣ نموذج المحكمة الدستورية الذي ابتكره دستور 1998 و استمر بموجب دستور 2005 يجب إعادة النظر فيه من حيث كفاية حمايته للحقوق والحريات الأساسية و مناسبته أو عدمها للسودان. و قد سبق أن كتبت في 2003 في فصل بعنوان تسييس الإسلام و الحروب الأهلية في السودان في كتاب نشرته جامعة بنسلفانيا أن خلع السلطة القضائية من حراسة الدستور و إسناد حراسته لمحكمة دستورية خاصة منبتة الصلة بالسلطة القضائية انتكاس لسيادة حكم القانون و الحقوق و الحريات الأساسية . فقد كان اختصاص نظر الدعاوى الدستورية قبل الإنقاذ معقودا للمحكمة العليا رأس السلطة القضائية في السودان. و كان بالإمكان تكليف سبعة قضاة من أعضاء الجمعية العمومية للمحكمة العليا ليشكلوا دائرة دستورية وقتية adhoc للنظر في أي دعوى دستورية وفقا لأمر التشكيل الوقتي الذي يصدره رئيس القضاء . و قد كان تشكيل الدوائر الدستورية شأنا داخليا تمارسه حصرا السلطة القضائية. كما كانت عضوية الدوائر الدستورية متاحة لكل قاض من أعضاء الجمعية العمومية للمحكمة العليا إلا من أبى. و وفقا لهذا التنظيم لم يكن للسلطة التنفيذية أو التشريعية يد أو تأثير في تشكيل الدوائر. كما كانت بموجبه السلطة القضائية بما فيها المحكمة العليا و قضاتها و المحاكم التابعة لها هي حارسة الدستور. و شتّان ما بين حراسة الدستور التي قوامها السلطة القضائية و حراسة الدستور التي قوامها تسعة قضاة يعينهم رئيس الجمهورية و تمارس سلطاتها بالمعروف.
٠٤ موديل هذه المحاكم الدستورية الطارف لا يناسب جغرافية السودان السياسية بطرقه السياسية الوعرة وأقاليمه و أعراقه وثقافاته ونظامه القانوني التليد .
فمن زاوية علاقة المركز بالهامش فإنه من غير المقبول أن يتولّى تسعة قضاة جالسين في برجهم العاجيّ بالخرطوم الفصل في المنازعات الدستورية و انتهاكات حقوق الإنسان الواقعة في الأطراف. سواء بالمراسلة أو بحضور الضحايا. من جانب آخر فإنه لا يستقيم إنشاء محكمة دستورية جنبا إلى جنب المحكمة العليا في كل ولاية من ولايات السودان لأن ذلك لا يعدو كونه حماقة وهدرا للموارد. و ما يناسب السودان بأقاليمه ذات الحكم الذاتي أن تتولى المحكمة العليا الولائية ضمن اختصاصها العام الفصل في الدعاوى الدستورية. و يمكن في هذه الحالة أن تستأنف قراراتها للمحكمة العليا الاتحادية (المحكمة العليا حاليا) و لا حاجة لمحكمة دستورية خاصة
٠٥ من الناحية الفقهية و القانونية فإن الحقوق تتداخل . و قد ينشأ حق دستوري في سياق دعوى يقيمها المستأجرون لدكاكين المنطقة الشرقية التي تملكها سلطة عامة أو في سياق دعوى جنائية تقوم بيناتها على تفتيش أو اعتقال غير مشروع أو إقرار منتزع بالتعذيب بما يجافي مبدأ المشروعية و ينتهك حقوق المتهم.
و من الضروري التنويه أنه بعد مصادقة السودان في سنة 1986 على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فقد غدت الحقوق المضمونة بهذين العهدين جزاء لا يتجزأ من قوانين السودان و حقوقا أساسية جديرة بالحماية القضائية . وباستعراض هذه الحقوق نجد أنها بطبيعتها لا تنحصر في اختصاص محكمة أحادية خاصّة هي المحكمة الدستورية بل تتوزع و تنداح في الجسم القانوني بأكمله , و ليس أقدر على حمايتها سوى القضاء بكامل عدته و عتاده.
ما هو النص البديل المقترح للقضاء الدستوري ؟؟
الإجابة : تعدّل المادة ٣١ من الوثيقة الدستورية لتقرأ على النحو الآتي:
المادة ٣١ الدوائر الدستورية
٠١ تختص الدوائر الدستورية للمحكمة العليا برقابة دستورية القوانين والتدابير وحماية الحقوق والحريات والفصل في النزاعات الدستورية والإدارية
٠٢تشكّل الدوائر الدستورية وتحدد اختصاصاتها وسلطاتها وفقا للقانون.