كلمة التغيير: الخطر الانقلابي على السودان يستوجب العودة إلى الشارع
إن المحاولة الانقلابية التي أعلن الجيش السوداني عن إفشالها صباح الثلاثاء الحادي والعشرين من سبتمبر 21 يجب النظر إليها كجرس إنذار أخير للشعب السوداني كي يحزم أمره ويهب لحماية ثورة ديسمبر المجيدة من الانقلاب القادم، وهو الأكثر خطورة وجذرية الذي يدبره بدعم إقليمي جزء من المكون العسكري متحالفا مع بعض المدنيين وجزء من فلول النظام البائد، هذا المخطط الانقلابي الشرير الزاحف بقوة بدأ بسلسلة من الممارسات التمهيدية ومنها “صناعة الترويع للمواطنين عبر الانفلات الأمني” وربط ذلك بالحكومة المدنية، في حين أن المسؤول الفعلي عن الأمن وحماية المواطنين هم العسكريون الذين كان مبرر شراكتهم في معادلة الحكم عبر الوثيقة الدستورية هو توفير الامن والحماية، خصوصا ان الإصلاح الامني والعسكري الذي يجعل الشرطة والاجهزة الامنية تحت سلطة المدنيين لم ينفذ حتى الآن.
أما أخطر تمهيد للانقلاب فهو “الأزمة المصنوعة بعناية في شرق السودان” التي يقودها ظاهريا ناظر قبيلة الهدندوة سيد محمد الأمين ترك (المنتمي للمؤتمر الوطني المحلول) وباطنيا فلول نظام الإنقاذ بتواطؤ تام من الجزء الانقلابي في المكون العسكري، إذ ان الناظر ترك ليست له قدرات سياسية أو تنظيمية أو لوجستية ليتمكن من تعطيل ميناء بورتسودان وإغلاق الطريق القومي ومطار بورتسودان الدولي وإغلاق أنبوب النفط!
وتواترت الأنباء المعززة بالصور والفيديوهات عن ان عناصر من القوات النظامية تتولى مباشرة تنفيذ عمليات الإغلاق وإصدار اوامر الانصراف للموظفين والعمال في الموانئ بدلا من القيام بواجبها في تأمين هذه المرافق الحيوية ذات الأهمية الاستراتيجية للبلاد، وبداهة لا يمكن ان يتم ذلك دون “إشارة خضراء” من اعلى هرم القيادة العسكرية والأمنية في المركز!
ومع كامل الاحترام لقبيلة الهدندوة الكريمة، فإن الناظر ترك لا يمثل شرق السودان بقبائله المتعددة، ولا يمثل كل قبائل البجا التي أصدر نظارها البيانات المتواترة ضد ما يسمى”المجلس الأعلى لنظارات البجا” وطالبوا ترك ان يكف عن الحديث باسمهم، مما يدل على أن كل ما يجري في شرق السودان معزول سياسيا عن غالبية المكونات الاجتماعية والتيارات السياسية هناك التي نظمت حشودا ضخمة على الأرض رفضا لما يقوم به ترك، ولا علاقة له بالمطالب السياسية والتنموية العادلة للإقليم،بل له علاقة بالأجندة الانقلابية التي رفعها ترك بالوكالة وأبرزها(حل الحكومة المدنية وتشكيل مجلس عسكري لقيادة البلاد وحل لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو)!
والأخطر على الإطلاق هو الحديث عن تقرير المصير وتحويل شرق السودان لدولة مستقلة! كل هذا العبث بالأمن القومي السوداني بمشاركة أجهزة مخابرات أجنبية وتهديد”رئة الوطن وشريان حياته الاقتصادية” لم تتعامل معه الحكومة الانتقالية بجدية ترقي لحجم التحدي، إذ ظلت ترسل الوفود للتفاوض مع الناظر ترك بدلا من مواجهة الشق العسكري الذي يحرك ترك ويستخدمه ككرت ضغط لخنق الحكومة المدنية ليس في شرق السودان فقط بل في كل البلاد حيث تواترت دعوات شبيهة مدعومة أيضاً من الانقلابيين لإغلاق طرق قومية أخرى في شمال ووسط البلاد وتعطيل إنتاج النفط في غرب كردفان وما زالت المحاولات مستمرة.
إن خطابات رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان ونائبه قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة تشير بوضوح إلى المخطط الانقلابي الكامن والذي لم ينفذ بعد! إذ ان البرهان وحميدتي والمفترض أنهما ناجيان للتو من محاولة انقلابية فإن المنطقي أن يصبا جام غضبهما على الانقلابيين الذين كانوا سيذهبون بهما إلى السجن أو الإعدام الفوري لو نجحوا، وكان واجبهما أن يحثوا الشعب السوداني على التوحد ضد الانقلابات العسكرية وإنجاح الفترة الانتقالية.
ولكن بدلاً من ذلك صوبت خطابات البرهان وحميدتي نيران الغضب والاتهامات والاستخفاف إلى شريكهما في السلطة الانتقالية المكون المدني، وحملته مسؤولية المحاولة الانقلابية بسبب انقساماته وفشله في الاهتمام بمعاش الناس بل واختطافه للثورة وعدم جديته في إقامة الانتخابات! وكأنهما يقدمان “المبررات الاستباقية” للانقلاب القادم قريياً!
وإزاء كل ذلك لا بد من “الردع الاستباقي” للانقلاب القادم” عبر توحيد وتقوية الصف الوطني المنحاز للتحول الديمقراطي وإنجاح الفترة الانتقالية التي يجب ان تكون مرحلة تأسيسية للديمقراطية المستدامة في السودان، وفي هذا السياق فإن أول واجبات المكون المدني هو العودة إلى الشارع الثوري والارتباط به عضويا وفق خارطة طريق جديدة لتصحيح مسار الانتقال عبر عزل ومواجهة الانقلابيين من العسكريين والمدنيين، وتوحيد الديمقراطيين من المدنيين والعسكريين، ووضع معركة إصلاح القطاع الأمني والعسكري في سياقها الوطني الصحيح: مطلب وطني مفتاحي لتحقيق مصلحة الشعب السوداني أمنيا وسياسيا واقتصاديا، بدلا من تصويرها كمعركة مفتوحة ضد كل العسكريين بشكل مطلق، فالعسكريون الوطنيون الشرفاء مصلحتهم جزء من مصلحة شعبهم وبالضرورة هم منحازون لبناء جيش قومي مهني واحد بعقيدة قتالية جديدة وظيفته حماية النظام الديمقراطي وتأمين حدود الوطن، ومؤسسات أمنية وشرطية قومية ومهنية.
الخطر الانقلابي القادم يستوجب عودة السودانيين الى الشوارع قبل وقوع “الفأس على الرأس”.