الصراع المدني العسكري في السودان وتهديد التحول الديمقراطي
ألقى الصراع والخلاف السياسي الأخير بين المكونين المدني والعسكري في الحكومة الانتقالية السودانية، بظلال كثيفة على مجمل العملية السياسية، وتأثرت به كل الملفات المهمة الملقاة على عاتق حكومة الانتقال، دون أن يبدو أفق الحل واضحاً!!
التغيير- أمل محمد الحسن
وصلت أزمة الخلافات بين المكونين المدني والعسكري في الحكومة الانتقالية السودانية إلى قمتها؛ والشخص الوحيد القادر على حسمها وفق خبير إدارة الأزمات محمد إبراهيم كباشي هو رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الذي دخل بالفعل في لقاءات منفردة مع الطرفين للوصول إلى صيغة توافقية بعد أن أدت الأزمة لتوقف الإجتماعات المشتركة بين المدنيين والعسكريين.
يمتلك حمدوك مقومات رجل الدولة، ويتعامل مع كافة الأحداث بتوازن وواقعية بحسب كباشي الذي في المقابل وصف خطابات المدنيين والعسكر بـ«الصبينة» السياسية!
إجتماع عاصف بين رئيسي مجلسي السيادة والوزراء
لقاء عاصف
كشف مصدر مطلع لـ«التغيير»، أن اللقاء الذي جرى بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الأربعاء كان عاصفاً، عقد بعده رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لقاءً مع المجلس المركزي للحرية والتغيير.
وأكد المصدر خروج حمدوك- الذي حضر الإجتماع رفقة بعض أعضاء مكتبه فقط- غاضباً ولم يتمكن من مباشرة الحديث مع أعضاء الحرية والتغيير إلا بعد مرور بعض الوقت.
فيما أوضح مصدر مطلع من داخل القصر الجمهوري لـ«التغيير»، أن الاجتماع الذي ضم البرهان وحمدوك لم يكن الأول، وأكد دخولهما في عدد من اللقاءات الثنائية وغيرها خلال الأيام الماضية.
وأكدت مصادر متطابقة أن الطرفين اتفقا على ضرورة إيقاف التصعيد الإعلامي.
عضو بالحرية والتغيير يتهم المكون العسكري بالتغول الممنهج على السلطات والصلاحيات
أزمة الشرق
وقالت مصادر متطابقة، إن رئيس مجلس السيادة تمسك بموقفه من قضية الشرق كونها قضية سياسية، وطالب الحكومة التنفيذية بحلها.
واتهم عضو بارز في قوى إعلان الحرية والتغيير، المكون العسكري بالتغول الممنهج على السلطات والصلاحيات في قضايا السلام والاقتصاد، ونوه إلى أن وصفهم الحالي لقضية الشرق بأنها سياسية غير مبرر.
وقال: «عندما تدخل المكون العسكري في مفاوضات السلام ألم تكن تلك قضايا سياسية؟».
وأضاف: «كيف يمكن وصف إغلاق الميناء بالقضية السياسية فقط؟».
من جانبه، وصف القيادي بحزب المؤتمر السوداني مهدي رابح، أزمة الشرق بالحقوق المشروعة، لكنه اتهم تصرفات مجلس نظارات البجا بالتعدي على الحق العام.
وقال إن التهميش عام في الكثير من أقاليم السودان، وأشار إلى أنه الأمر الوحيد الذي عدلت فيه الحكومة السابقة!
وأضاف رابح لـ«التغيير»، إن حل قضية الشرق في يد المكون العسكري، واتهم نظارات البجا بعرقلة مسيرة التحول الديمقراطي بخنقها للبلاد اقتصادياً وزعزعتها أمنياً.
حل الحكومة
ونفى مصدر مقرب من رئيس الوزراء، مطالبة المكون العسكري بحل الحكومة المدنية الحالية، واتهم جهات- لم يسمها- بتسريب أخبار مغلوطة تهدف لضرب إسفين بين حمدوك والحرية والتغيير وإظهارها ضعيفة.
وقال مصدر آخر، إن المكون العسكري لم يشر إلى أشخاص بعينهم ولم يطالب بإقالة أي شخص من منصبه.
وقال القيادي بالمؤتمر السوداني، إن العيوب في التحالف الحاكم إحدى الثغرات التي يتسلل منها أي مستبد يريد عرقلة التحول الديمقراطي، ونوه لوجود الوثيقة الدستورية حاكماً بين الطرفين.
وأشاد رابح بمجهودات الحكومة الحالية التي ظهرت في انخفاض التضخم، واستقرار سعر الصرف وفك العزلة الدولية- حد تعبيره. وأشار إلى أن الاستقرار الكلي للاقتصاد قد لا ينعكس بصورة مباشرة على حياة المواطنين.
انقلاب دستوري
إحدى المشكلات الكبيرة داخل الحاضنة السياسية محاولة تكوين الحرية والتغيير (2)- وفق رابح- الذي أكد أن الحاضنة فقدت عناصر مهمة مثل جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي.
ويرى القيادي بالمؤتمر السوداني، أن الإعلان السياسي بقاعة الصداقة محاولة لتغيير التركيبة السياسية لإحداث انقلاب دستوري، وأكد في الوقت ذاته وجود فرصة لفتح حوارات لاستعادة جبريل ومناوي وحتى الشيوعي إلى داخل الحاضنة السياسية.
وأكد رابح أن التحول الديمقراطي في مصلحة الجميع، بمن فيهم العساكر، ونبه إلى أن السبب وراء تخوفهم منه يعود لتشوهات هيكلية حدثت داخل المنظومة الأمنية ككل وارتباطها بالسلطة طوال «53» عاماً من عمر سودان ما بعد الاستقلال.
وقال رابح: «ترتبط المنظومة العسكرية بنشاط مالي كبير وفك جميع تلك الارتباطات ليس بالأمر الهين».
خبير استراتيجي: خطابات المدنيين والعسكريين «صبينة» سياسية
تصرف لا أخلاقي
من جانبه وصف الخبير الإستراتيجي محمد إبراهيم كباشي، تغاضي المكون العسكري عن أزمة الشرق بالتصرف اللا أخلاقي «هذا التغاضي يفتقر للحد الأدنى من أخلاقيات السياسة».
وأشار إلى أن تصريحات الناظر ترك تفيد بأنه يعمل تحت غطاء العسكريين.
ما فعله المكون العسكري في أزمة الشرق خصم من رصيده المستقبلي- وفق كباشي- الذي اعتبره مناخاً مناسباً لإعادة تماسك الحرية والتغيير.
واتهم الخبير الاستراتيجي، المتخصص في إدارة الأزمات، الطرفين بعدم امتلاكهما لرؤية متكاملة لإدارة الصراع ولا أدوات قوية للمواجهة.
وشرح كباشي، بوجود فجوة بين الحرية والتغيير والشارع، أما المكون العسكري فلم يتمكن من إيجاد مكانة وسط الشارع على الرغم من اجتهاده في محاربة الإرهاب.
وأشار الخبير إلى وعي الجماهير للتدخلات الإقليمية والمخططات السياسية للطرفين.
خاتمة
تتفق خطابات المكونين المدني والعسكري في أن «الردة» غير واردة، لكن ربما تختلف رؤية الطرفين لمفهوم «الردة»! ويبقى الصراع مهدداً قوياً لتجربة التحول الديمقراطي الوليدة واكتمال مؤسسات الحكم المدني، وهو ما يقلق الشارع الذي تشير هتافاته «لا مع ترك لا خالد سلك.. نحن الشعب المرق» إلى فقدانه الثقة في المكونين المدني والعسكري!!.