الاعتداء على الإعلاميين في السودان.. رسالة موجهة أم حدث عابر
أثار الاعتداء على إعلاميين ومقار قنوات ووكالات إخبارية خلال المواكب الاحتجاجية بالعاصمة السودانية الخرطوم الخميس الماضي، ردود فعل غاضبة، وطرح تساؤلات حول ما إذا كان حدثاً فردياً عابراً، أم رسالة في بريد بعض الجهات؟!
التغيير- علاء الدين موسى
لم يكن يتوقع مراسلو قنوات فضائية بالخرطوم، أن يصبحوا هم الحدث بدلاً عن نقله، بعد أن أصبحت هذه القنوات هي المصدر الوحيد للمعلومات والأخبار خلال المواكب الاحتجاجية بالسودان، إذ درجت السلطات الانقلابية على قطع الانترنت والاتصالات، وفي هذه المرة انعكست الآية ووُجهت الكاميرا على الإعلاميين أنفسهم ناقلة واحداً من فصول البطش والعسف الانقلابي الذي لم يستثن أحداً.
عصر الخميس 30 ديسمبر وبينما يقوم مصورو ومراسلو قناتي الحدث والشرق بمهامهم المعتادة في نقل الأحداث، تم اقتحام مكتب الحدث واعتقال مراسلي الشرق، مما دفع للتساؤل حول دوافع هذا الحادث المستنكر، وما إذا كان رسالة من الخرطوم لمالكي تلك القنوات بألّا تتدخلوا في الشأن السوداني، أم أنه تصرف فردي عابر؟!.
اقتحام الحدث
واقتحمت القوات المشتركة مباني قناة العربية والحدث بأبراج النيلين في الخرطوم، وأوسعت العاملين بالقناة ضربا بـ«الخراطيش» واطلقت الغاز المسيل للدموع داخل المبني، ووثقت شاشات القناة لهذا الاعتداء الذي وجد استنكاراً من الجميع.
وقالت مديرة مكتب العربية والحدث لينا يعقوب، إن القوات الأمنية اقتحمت مبنى القناة بعد تصوير اعتدائهم الوحشي على متظاهرين لفضحهم أمام العالم.
وأضافت: «هناك من أبلغهم بالهواتف اللاسلكية أن ما يقومون به معروض على الشاشة، فاقتادوا الزملاء وشخصي إلى خارج المبنى وفعلوا ما يشبههم».
وأكدت أن “الضرب والتنكيل والإهانات اللفظية وتحطيم أجهزة البث وسرقة الهواتف والأموال والممتلكات وتهشيم السيارات بل والتهديد بالتكرار، لن يزيدهم إلا قوة وإصراراً على المواصلة.
ووصفت لينا ما حدث لعدد من الزملاء الصحفيين والمراسلين الخميس، بأنه مؤسف، «لكنه لن يثنينا». وقالت: «أولئك وقِلة غيرهم، لا يعلمون أننا على استعداد لدفع أرواحنا ثمناً لكلمتنا ومهنتنا».
قطع بث الشرق
وبطريقة مختلفة اقتحمت قوة من الأمن مبنى وكالة رامتان بالعمارة الكويتية في شارع النيل، وطلبت من مراسلة قناة الشرق سالي عثمان قطع البث، قبل أن يتم مصادرة الكاميرا وفصل وصلة الانترنت.
وقالت مراسلة الشرق سالي عثمان لـ«التغيير»، إن ثلاثة أفراد من الاستخبارات العسكرية حضروا لمبني القناة عند الساعة 12 ظهراً وطلبوا منها قطع البث.
وأضافت: «بعد ساعة ونصف حضر اثنان يرتديان زياً رسمياً أحدهم ضابط برتبة نقيب وقاموا بتصويرنا أنا والزميلة مها التلب وتصوير بطاقاتنا الصحفية».
ولفتت سالي إلى القوة صادرت كاميرا القناة وقامت بفصل وصلة الانترنت.
وقالت إن المجموعة قامت بإرجاع الكاميرا بعد فحصها وظلت داخل مباني القناة حتى الساعة السابعة مساء.
وأوضحت أن القوات المقتحمة طالبتهم بإحضار إثباتات شخصية بعد أن وصفوها وزميلتها مها التلب بأنهن غير سودانيات.
وساطة السعودية
واعتبر مراقبون، أن الاعتداء على قناتي الحدث والشرق، كان الغرض منه ايصال رسالة للمملكة العربية السعودية، بعدم رضا الخرطوم عن المبادرة التي طرحتها المملكة على رئيس المجلس الانقلابي عبد الفتاح البرهان بالتنحي عن منصبه، وان تتم استضافته في المملكة خاصة بعد اتصال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله بالبرهان وعرضه مبادرته وطلبه رسمياً من البرهان التنازل- بحسب مصادر، ثم اتصاله برئيس الوزراء حمدوك وطلبه التراجع عن الاستقالة والموافقة على الوساطة السعودية لحل الأزمة.
تنسيق سعودي مصري
وكانت مصادر دبلوماسية مصرية وعربية في القاهرة، كشفت عن تنسيق بين مصر والسعودية بشأن الوضع الراهن في السودان والأزمة المتواصلة منذ انقلاب العسكر في أكتوبر الماضي، وذلك لمنع انزلاق الوضع في الدولة الأفريقية التي تتمتع بأهمية استراتيجية، خصوصاً في ما يتعلق بأمن الممرات التجارية في البحر الأحمر، إلى مسارات تتباين مع مصالح البلدين.
وأوضح مصدر بحسب «العربي الجديد»، أن السعودية تخشى من قرار سحب الجنود السودانيين من اليمن، في حال أن الاضطرابات في السودان أوصلت قادة جدد لسدة الحكم، تقدم على قرار سحب الجنود السودانيين المشاركين في عملية «عاصفة الحزم» باليمن، والذين يمثلون القوام الرئيسي لقوات تحالف دعم الشرعية الذي تقوده المملكة هناك.
بديل آمن
وبحسب المصدر، فإن المشاورات السعودية المصرية تناولت البحث في سيناريو متعلق بتجهيز ودعم «بديل آمن» لرئيس مجلس السيادة الحالي عبد الفتاح البرهان، وذلك في حال استمرار ثورة الشارع السوداني ضد المكون العسكري.
رسالة للسعودية
ويقول الصحفي والمحلل السياسي محجوب عروة لـ«التغيير»، إن الاعتداء على قناتي الشرق والحدث ربما يكون فعلاً رسالة للسعودية مثل الشعارات التي كتبتها قوى الحرية والتغيير «القحاتة» ضد دولة الإمارات باعتبارها وراء الانقلاب.
إلا أن هذه الفرضية- بحسب مراقبين- تم نسفها بعد إرسال رئيس المجلس السيادي مبعوثاً خاصاً لقناة العربية والحدث للاعتذار عما بدر من القوات التي اقتحمت مبنى القناة، ووعده بمحاسبة كل من يثبت تورطه في الحادثة.
أيادٍ «كيزانية»
رأي آخر مغاير، ذهب إليه البعض بأن الاعتداء على القناة بهذه الطريقة يرجح أن تكون أيادي فلول النظام البائد «الكيزان» حاضرة فيه لإحراج البرهان مع السعودية والمجتمع الدولي بعد أن وجدوا أنفسهم خارج اللعبة تماماً بعد إقالة عدد كبير منهم بعد اتفاق حمدوك البرهان في 21 نوفمبر الماضي.
فيما يرى الصحفي والمحلل السياسي ماهر أبو الجوخ، أن الاستفسار مقلوب لسبب بسيط أن التجاوز الذي تم لم يقتصر على مكاتب تلك القنوات فقط لنصل لذات النتيجة بأنه إحراج أو رسالة، رغم أن هذا الأمر يبدو كاستهداف ورسالة.
وقال أبو الجوخ لـ«التغيير»، إنه قد يكون وارداً خاصة مع وجود أنباء عن مساعٍ سعودية مصرية أمريكية لتجاوز الانسداد الراهن أو اتهامات لعناصر النظام البائد.
وأضاف: «لكن إذا صدق أي منهما فإن ذلك هو جزء من الحالة العامة المرتبطة بمسلك بعض القوات النظامية في تعاملها مع المواكب المتنامية منذ 19 ديسمبر الماضي، توجد اتهامات تحرش واغتصاب وسرقة مقتنيات وعنف ترتب عليه إصابات متزايدة وخطرة».
وتابع: «إلا أن ما حدث في 30 ديسمبر كان قمعاً مميتاً بعدد الشهداء والجرحى واستهداف المنشآت الطبية المحمية حتى في الحروب!!».
وأردف أبو الجوخ، أن المشكلة الأساسية هي مسلك ومنهج إباحة القمع والافراط فيه أكثر من النظر على واقعة استهداف الإعلاميين رغم فداحتها المرفوضة والمدانة وغير المبررة.
وأشار إلى أن الأكثر فداحة منها القتل والعنف والاعتداء على المستشفيات وعربات الاسعاف، فالمطلوب وقف العنف وانهاء الانسداد السياسي لأن منهج العنف لن يولد من رحمه سوى العنف المضاد.
وأيا كانت الرسالة أو دوافع الحادث المستنكر، فإنه يبين مدى التخبط والذعر الذي تعيشه سلطات الانقلاب وخوفها من وصول الرافضين لها إلى غايتهم باسقاطها ومحاسبتها، وإلى أي مدى هي مستعدة لاستخدام أقصى درجات العنف ضد الشعب السلمي الأعزل.
وتزايدت وتيرة عنف السلطات الانقلابية مع تنامي حالة الرفض الشعبي للحكومة الانقلابية والاصرار على اسقاطها مهما كلف ذلك من ثمن، وسقط في آخر موكب «2 يناير» شهيدان ومئات الجرحى وأعملت الآلة القمعية كل أسالي العنف لترهيب الثوار لكن ذلك لم يثنهم ولازالت جداول التصعيد الثوري تصدر من لجان المقاومة بصورة يومية.