أحمد عوض سالم ربشة
البخاري حبيب الله عباس
أحمد عوض سالم ربشة الشهير بأحمد ربشة.. ذلكم الهرم الفني الذي لم تسعه أرض السودان ووسعها هو فناً وإبداعاً. هل ظلمناه بالتجاهل أم ظلمنا هو بالرحيل الباكر؟..
ذلكم الفتى الأبنوسي صاحب الصوت الدافئ واللحن الشجي والعزف المتفرِّد كان في حالة بحث عن السودان حتى وجده، ولكن عندما افقنا على سطوة إبداعه بحثنا عنه فلم نجده فقد ملّ البقاء وغادر إلى غير رجعة..
كان يحمل حنجرةً ذهبيةً وحساً فنياً سابقاً لزمانه أجيالاً وأجيال، جهل إبداعه السابقون وتشبه به اللاحقون، هو خليط وتمازج من الثقافات والأعراق؛ يمني الأب وصومالي الأم وسوداني الهوى وأفريقي التطلّع.
تنقّل ما بين الصومال وكينيا وإثيوبيا ووصل السودان في منتصف السبعينيات، فنان كامل الهوية التحق بمعهد الموسيقى والدراما ونثر فنه وإبداعه على مدي خمس سنوات أنتج فيها خمسة أعمال ستظل خالدةً مثل أغنية يا مواسم وأساليني شاقي روحك ليه (بدري من عمرك) بيني ما بينك وأغنيتي المفضلة النسمة البتحرق شوق، وهذه أغنية لها ألف حكاية ورواية من الوجد والإبداع والإدمان الفني، حازت على القلوب والوجدان ونافس بها عمالقة الفن حينذاك.
غادرنا أحمد ربشة أم غادرناه نحن في محطات الضياع والنسيان؟ رحل إلى الإمارات عندما لم تسعه محطة السودان التي أحبها وتعلّم منها أصول الفن وصعد على سلمه الخماسي المعروف لدى أهل الصومال، لكنه نزل في نهاية المطاف، ولا أدري هل غادر أم أجبره الخصوم والأنداد على الرحيل؟.
ذهب ربشة ولم يعد حتى رحيله الأبدي، ما يشير إلى أن في القلب قصة وفي الحلق غصة، فحكى صديقه وزميله الشاعر بشرى سليمان أنه في مرة ذهب معه للإذاعة السودانية لتسجيل بعض أعماله قبل مغادرته، لكنهم تمنّعوا ووضعوا أمامه ألف عذرٍ وعذر ولم يدروا أنهم حرمونا نحن وحرموا الأجيال اللاحقة من الاستماع والاستمتاع لهذا الهرم الغنائي.
رحل أحمد عوض سالم ربشة عن دنيانا بعد معاناة مع المرض في لندن سنة 2003م ورحل معه سر الغنا ولكن قبل رحيله كشف عيوب الوسط الفني والغيرة المستحكمة، فلم نتعلم كيف نستل الإبداع من كومة التعصب البغيض، ولم ندرك بعد أن الفن والإبداع لا تحدهما حواجز العرق أو الدين أو اللون.
رحل ربشة بعد أن كاد له إخوة الفن وجاروا على إبداعه بدمٍ كذب، ولم يدُر بلخدهم أن الفن أرحب من مداركهم، وكان يمكن أن يسعهم جميعاً دون أن ينقص من إبداعهم ومكانتهم الفنية شيئاً.
لكن هي أقدارنا بأن نرعوي بعد فوات الأوان، نضيع نصف عمرنا في محاربة الإبداع، ونفني نصفنا الآخر في البكاء على ما أضعنا..
فكلنا الآن نبكي أحمد ربشة، وأيّ مبدعٍ نبكيه فقد أضعنا فرصة من عمر أغنيتنا كانت ستكون إضاءةً في مستقبل أجيالنا رغم قصر إقامته بيننا كما الطيف العابر أو كالنسمة البتدخل في جوف الغنا، لكنها خرجت ورحل صاحبها تاركاً بصمةً خالدة تحسها في أغنيات الهادي الجبل ومحمود عبد العزيز وعمار السنوسي وحمزة سليمان وغيرهم…
رحم الله أحمد ربشة