بوتين والنوستالجيا السياسية
معاذ زكريا المحامي
وحدث ما كانت تخشاه أوروبا ، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقرر غزو الجارة أوكرانيا ، وبالفعل في شهر فبراير الماضي ، تجتاح القوات الروسية الأراضي الأوكرانية ، سبق عملية الإجتياح إعتراف الرئيس الروسي بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الإنفصاليتين والتابعتين لأوكرانيا ، وكان في العام 2014م قد قام بإقتطاع جزيرة القرم من أوكرانيا وضمها لجمهورية روسيا الإتحادية.
الرجل بحسب كثيرين مفتون بالإمبراطورية السوفيتية وأمجادها الغابرة ، يعتقد الرجل أن تفكك الإتحاد السوفيتي كان أكبر خطأ جيوسياسي حدث في القرن العشرين ، فالرجل على ما يبدو مصاب بالنوستالجيا السياسية – إن صحت التسمية –
والتي تجعله يرى في كثير من دول الإتحاد السوفيتي السابقة مجرد جمهوريات مصطنعة ، لا ينبغي لها أن تدور في غير فلك الدولة الأم ( روسيا ) ، وإن حاولت دولة من هذه الدولة الخروج من ( بيت الطاعة ) الروسي ، فإن السيد فلاديمير بوتين مستعد لتأديبها ، حتى وإن إستدعى ذلك التدخل العسكري ، وقتل وتشريد الآلاف ، لا يهم ، فروسيا فوق الجميع.
أوكرانيا بحسب الرئيس بوتين دولة مارقة ، تريد أن تتحرر من ماضيها السوفيتي ، تريد أن تصبح دولة على الطراز الغربي ، بل تريد أن تذهب أبعد من ذلك ، بمحاولة الإنضمام لحلف الناتو ، الحلف الذي أُنشى بالأساس للحد من نفوذ الإتحاد السوفيتي ، فكيف يكون الحال إذا إنضمت له دولة مثل أوكرانيا ، بكل ما يربطها بروسيا من تاريخ وقواسم مشتركة.
حقائق الجغرافيا والتاريخ تظل حاضرة بقوة في هذا النزاع ، فالتاريخ يقول أن كييف كانت أول عاصمة للدولة الروسية القديمة والتي كانت تعرف آنذاك بإسم ( كييف روس ) وكان ذلك في القرن التاسع الميلادي ، قبل ان تنتقل بعدها – بسنوات طوال – العاصمة لمدينة موسكو – العاصمة الحالية لجمهورية روسيا الإتحادية.
أما الجغرافيا فتوضح ان أوكرانيا دولة بالغة الأهمية بالنسبة لروسيا ، بل وتمثل لها قضية أمن قومي لا يجوز الإستهانة به بأي حال من الأحوال ، لذلك تنظر روسيا بعين الريبة والقلق لمحاولات أوكرانيا الإنضمام لحلف الناتو ، خصوصا مع سعي الحلف لضم دول كانت في الماضي من ضمن جمهوريات الإتحاد السوفيتي مثل ( لاتفيا ، ليتوانيا واستونيا ) ، لذلك فإن هذا الأمر (إنضمام أوكرانيا ) إن تم فدونه خرط القتاد بالنسبة للرئيس بوتين ، الذي لا يرتاح لفكرة نشر قوات عسكرية ومنظومة صواريخ بواسطة دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية ( العدو التاريخي للإتحاد السوفيتي ) على حدود بلاده.
الحرب بشكلها الحالي تبقى مفتوحة على كل الإحتمالات ، مع خشية الكثير من المحللين والمراقبين من توسعها على نطاق أوسع مالم تصل الأطراف المعنية بالحرب لتفاهمات وتسويات لنزع فتيل الأزمة التي باتت حديث الساعة.