أخبارأعمدة ومقالات

السودان اليوم: هل آن أوان الحكمة الغائبة!

محمد بدوي

السودان اليوم: هل آن أوان الحكمة الغائبة!

محمد بدوي

التطورات السياسية في السودان تصدرت المشهد بقرار الإيقاد عقب اجتماعه اليوم بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا وما كشف عنه من خلاصات، لا بد من الإشارة إلى غياب وفد الخارجية السودانية المسنود بتحفظها على رئاسة الجلسة من قبل الرئيس الكيني وليم روتو، جاءت الجلسة عقب تعليق مباحثات جدة التي كانت تحت تسهيل سعودي أمريكي على خلفية خرق الهدنة الأخيرة، سبق القرار الذي صدر من الإيقاد تصريح من السيد فولكر بيرتس الذي اعترضت الخارجية السودانية على بقائه بالمنصب الأمر الذي قوبل بقرار تجديد ولايته من الأمين العام للأمم المتحدة، الذي دفع بأن كلاً من القوات المسلحة السودانية والدعم السريع ارتكبا انتهاكات.

عقب تعليق منبر جدة بدأت حركة نشطة كشفت عن خطة المجتمع الدولي لإسناد قرارها الذي صدر عبر الإيقاد وتمثلت في الزيارات التي قامت بها مجموعة من تحالف قوى الحرية والتغيير إلى دولتي يوغندا ولقاء الرئيس يوري موسفيني ثم المغادرة إلى أديس أبابا للمشاركة في الاجتماع الذي نظمته الرباعية تمهيداً لاجتماع الإيقاد، ولابد من الإشارة إلى أن الخارجية السودانية كانت قد أبدت تحفظها على أديس أبابا كمقر للاجتماع، ثم جاء الحدث الثاني وهو الاجتماع الذي حضره قادة اتفاق سلام السودان بالعاصمة التشادية إنجمينا بدعوة من الرئيس التشادي محمد كاكا والذي جاء عقب زيارة لحاكم إقليم دارفور مني مناوي الذي نسق فيه وحظي بموافقة الحكومة التشادية باستخدام مطار أم جرس الحدودي لإيصال المساعدات الإنسانية عبره لإقليم دارفور.

على صعيد آخر برز الدور الإريتري الذي استقبل بعض قيادات مؤتمر البجا شرق السودان منذ بداية الأزمة على ذمة مصدر موثوق قيل إن أحد النظار قد زارها في زيارة غير معلنة عقب قلقه “حسب تقديراته” من أن هنالك استهداف لشخصه من قبل الدعم السريع ووفقاً للمصدر أنه تلقى تطمينات بسلامته، هذا إلى جانب خبر على صحيفة سودان تربيون بتاريخ 9 يونيو 2023 أشار إلى أن الرئيس الجنوب سوداني سلفا كير ميا رديت تحدث إلى قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال القائد عبد العزيز آدم الحلو لوقف الهجوم أو التقدم نحو الحاميات العسكرية للجيش السوداني بكل من إقليمي جبال النوبة والنيل الأزرق عقب سلسلة من الهجمات في المنطقتين خلال الستة أسابيع المنصرمة من 2023.

تلخيص للمواقف، الخارجية السودانية تتحفظ على بقاء السيد فولكر بيرتس ورئاسة الرئيس الكيني للإيقاد وأديس أبابا كمقر للاجتماعات وهو ما تمت مقابلته برفض عملي في جميع المواقف، الأمر الذي يثير السؤال حول أثر زيارة الفريق مالك عقار نائب المجلس السيادي لموسكو وترحيب الخارجية السودانية بالمبادرة التركية التي لم يكشف عن تفاصيلها، لابد من الإشارة إلى احتجاج الخارجية على استقبال جنوب السودان وكينيا للمستشار السياسي لقائد الدعم السريع يوسف عزت لكونه يمثل مجموعة متمردة على وصفها.

من جانب آخر تسربت معلومات غير مؤكدة حضور الفريق عبد الرحيم دقلو لاجتماع إنجمينا في ظل غياب لممثل الحكومة أو الخارجية أو السفارة السودانية مع بعض التسريبات بأن الاجتماع خطط له لإثناء الدعم السريع من خطته للسيطرة العسكرية على إقليم دارفور كمرحلة من الصراع المسلح وإتاحة الفرصة للمساعدات الإنسانية للوصول.

في ظل هذه التطورات يثور السؤال حول الخطوة القادمة لتنفيذ قرار الإيقاد، في تقديري أن حزم من العقوبات من كل من الاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية ستكون العصا التي تنتظر المشهد ولا سيما مع انسحاب قوات فاغنر من أفريقيا الوسطى وفقاً لمصادر صحفية بما يوحي بدور فرنسي للسيطرة على أفريقيا الوسطى حتى حدود السودان.

في تقديري أن اجتماع تشاد وإن غاب الدور الإماراتي فيه بشكل واضح يبرز الدور الفرنسي ولا سيما نشر تشاد قوة لا تزيد من 60 فرداً إلى داخل الأراضي السودانية لمساعدة الفارين من الجنينة للوصول الآمن للحدود وسبق وأن اشتبكت مع مجموعة من العرب المسلحين حين محاولة اعتراضهم شاحنة تحمل أشخاصاً في طريقهم إلى الحدود التشادية من جانب آخر نشرت تشاد حوالي 100 من القوات في الحدود مع النيجر لإعاقة عبور أعداد من المحاميد الذين طلبت منهم النيجر العودة إلى تشاد.

يبدو أن الأطراف الإقليمية والدولية تعمل بالتنسيق لإعادة حصار طرفي الصراع في حالة السودان التي شهدت أعنف مواجهات مسلحة بين طرفي انقلاب 25 اكتوبر 2021 في ترجمة لطبيعة الصراع بأنه داخلي كما ذهب إلى ذلك مجلس الأمن الدولي في وقت سابق وإعادة الحال إلى الوثيقة الدستورية 2019 هذا يعني ضمنياً إلغاء كل القرارات التي أعقبت الانقلاب وهو نظرياً يعني العودة إلى الحال السياسي إلى واقع متأخر كثيراً من شعارات الثورة وفترة الحرب الراهنة وما خلفته من دمار وسوء بما يطرح السؤال حول كيفية إدارة الأزمة الأخرى التي تخلقت في السياق والتي ظلت تجد مناهضة من قوام عريض من الشارع.

المجتمع الدولي والإقليمي يطرحان حلولاً لا تعني بالضرورة اتساقها مع مطالب التغيير، لأن له عدة أوجه في خلق فرص اقتصادية بالنظر للتدخل عبر القوات الأجنبية وحيث يبدو ما يغري بذلك أيضاً هو استمرار طرفي القتال في حالة استثنائية توجد فيها المقار العسكرية في قلب المدن، بما يجعل ضرورة المؤتمر الدستوري والحوار الداخلي الوطني أمراً يجدر الانتباه إليه قبل الانسياق وراء تكوين حكومة مدنية بلا سند تطيل أمد الحرب وتنسف ما تبقت من حكمة وطنية، لأنه من الواضح أيضاً أن الحرب ترتبط بمصالح مختلفة المستويات تكشف أنه قبل الانزلاق نحو الهاوية والتشرذم هنالك شهية لاقتسام الجغرافيا الوطنية كامتداد لحدود دول أخرى الآن وليس غداً فلابد من التعلم من التجارب وواقع الحال فإن لم يستصحب ذلك سيكون الاستقرار الذي يجب أن يمر عبر مدخل العدالة أولاً بعيد المنال أو فلنقل حرب طويلة ودولة معلقة بين اكتاف الرصاص والذوبان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى