أعمدة ومقالات

السقوط السوري والتلافي السوداني

خالد فضل

السقوط السوري والتلافي السوداني

خالد فضل

صحيح سقط نظام عائلة الأسد في سوريا بإذاعة بيان المعارضة من خلال التلفزيون الرسمي الحكومي، لأول مرّة منذ العام 1970م، ولكن كان النظام قد سقط فعلياً منذ اندلاع حركة المقاومة التي بدأت سلمية تمّ قمعها بالقوة المفرطة، فتحولّت سريعا إلى قوات عسكرية، وصارت سوريا من يومها مرتعاً خصباً للقوات الدولية تناصر كلٌ منها الفصائل التي ترى فيها مصالحها، بما في ذلك نظام بشّار الذي خضع تماماً للسطوة الروسية دون مواربة وحتى آخر أيامه كانت البلاغات العسكرية من جانب جيشه تتحدث عن القصف الجوي للقوات السورية والروسية على معاقل الإرهابيين. ولم يقشعر البدن الوطني للنظام الباطش أبداً من (الغطاء الجوي الروسي) وكأنّه أمر وطني جدّاً مثل دعم إيران وحزب الله اللبناني! وبالمثل فإنّ فصائل المعارضة التي أصبحت اليوم السلطة الجديدة لم تستنكف الحماية الدولية والتشوين والتسليح الأجنبي، وجاهدت بالسلاح الأمريكي خير جهاد.

هذه هي الوقائع، غض الطرف عن الدوافع، فكل فريق بما لديه منها فرح نشوان. ونظرياً على الأقل أفلت سلطة كانت تحوز على معظم أراضي البلد، فيما تتوزع ما تبقى ثلاث قوى أخريات، فإذا أضفنا ما سيطرت عليه هيئة تحرير الشام حالياً إلى ما كانت تسيطر عليه من قبل تصبح هناك ثلاث مناطق سيطرة، التطورات القادمة ستقرر مصيرها، هل تتجاوز سوريا عقبة الانقسامات أم تتعمق، وهل ستأتلف فصائل المعارضة بعد إزاحة عدوها المشترك أم ستختلف حول الميراث، وهل هذه الفصائل التي كافحت وناضلت تحت شعارات تحرير الشعب السوري وفك أسره من قبضة الديكتاتورية ستتجه من فورها لإكمال شرط التحرير وما ينطوي عليه من صون حقوق الإنسان واعتبار الإنسان محور الكون وغاية نبيلة والحكم وسيلة لبلوغ كمال الإنسانية أم سيكون الحكم غاية في حد ذاته لتطبيق أفكار ومشاريع سياسية وفكرية أحادية تحت مزاعم (الحكم بما أنزل الله).

عطفاً على الحالة السورية وما بلغته الآن من تبديل مقاليد الحكم في دمشق، هل من أمل في تلافي ذلك في السودان، وهو يخطو نحو البداية التي صار إليها الوضع في سوريا؛ وضعية التقسيم بأيدٍ داخلية تحت حماية أجنبية بأذرع إقليمية، هل يتم وعي الدرس الذي لم ينته زمنه في الفيحاء بعد، هل يمكن النظر إلى المستقبل بغية التخلص من قيود الراهن أم أنّ قيود الحاضر أقوى من السماح بالنظر إلى باكر؟ وحجم ما أرتكب من فظائع أقوى من القدرة على التجاوز؟ ثمّ هل يقرأ الدرس على أنّه أفول للاستبداد بأي طبعة كان أم يقرأه البعض على أنّه انتصار للحركة الإسلامية ولو مؤقتاً، وهل نفعت الحماية الروسية والإيرانية لأسد الشام، هل سيتوفر الدعم للمجاهدين في تنظيم النصرة من تركيا والأمريكان، مع ما يجري من تقليم أظفار لحماس وحزب الله والنهضة التونسية وكل وجوه الإسلام السياسي في المنطقة بما في ذلك السودان.

يبدو سقوط النظام السوري كحافز قوي للقوى الديمقراطية وبوسائلها السلمية والسياسية الفعّالة لإكمال شوط الثورة الذي تعثّر بالانقلاب كمقدمة للحرب، يمكن ذلك في حال استلهام العبرة وليس الوسيلة، الإسلام السياسي إلى ضمور وتلاشي بعد سقوط كل أقنعته عندنا في السودان ولم يعد جديراً بحكم البلد ولكنه لم يستسلم، وفي تجليه الأخير أحرق السودان، وهي حيلة العاجز واليائس من المستقبل على كل حال، كيف تستثمر قوى المستقبل الديمقراطي في السودان هذه الفرضيات؟ بعض الإجابة يتحقق حال تنسيقها كلها في أوسع وأعظم جبهة نضال سياسي سلمي مدني يرهق البنادق المرهقة والمراهقة، ويبدد طاقتها الخبيثة في فراغ الملاواة فيما بينها دون طائل ودون مكسب على الأرض. هلا فكّرت كل قوى الثورة ببصيرة، استكشفت نقاط التلاقي مع رصيفاتها مباشرة وبدون لولوة لكن هلا!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى